فى غمرة انشغالهم بجمع الأموال نسى أطباؤنا العظام أن يكتبوا على مداخل عياداتهم لافتة «الأعمار بيد الله» بدلا من أن يتباهوا بقَسَم أبقراط الذى ينساه أحدهم مع أول أربعة أصفار يجمعها الطبيب الشاب عندما يصل لمرحلة النظر إلى المرضى فى الاستقبال وأقسام الطوارئ مشمئزا من تحت نظارته «بلاش دوشة الحالة دى إحنا متعودين عليها».
وعلى مدى 3 عقود كانت أخبار الخطأ الطبى متكررة حتى إن الناس فى مصر أصبحوا مؤهلين لتقبل تلك الأخطاء، من باب «ساعة القدر يعمى البصر» بينما الحقيقة أن الضمائر هى التى تعمى، والقدر الذى نعلق عليه إهمالنا يكون أحيانا أكثر حرصا على أرواح المواطنين من الأنظمة الحاكمة، الآن نحن أمام تطور آخر فى سلسلة انهيار العنصر البشرى، فحينما يذهب المريض للطبيب وهو يتمنى أن يكون هذا الطبيب أكثر «رحمة واهتماما» ولا يشترط الخبرة أو الدقة، حين يصل الأمر بالناس أن يتمنوا من أقسام الطوارئ استقبالا أكثر لطفا، وينتظرون من الممرض أن يؤدى الخدمة أولا ثم ينتظر البقشيش لا العكس، عليك أن تتحسس إنسانيتك.
فى وجهة نظرى، إنسانية الطبيب وإقباله على المريض- أيا كانت حالته وأيا كان راتب الطبيب- من صميم إتقانه لعمله وليست رفاهية أو تفضلا منه على البسطاء ممن لم يخدمهم المجموع ليدخلوا كلية الطب أو تنفعهم ثروتهم فيفرون بأرواحهم إلى ألمانيا، هذه الإنسانيات هى عمود مهنة الطب وكانت جزءا من العلاج قبل أن يخترع المنظار ومسكنات الألم ومضادات الاكتئاب.
كثيرون قد يجدون مبررا لـ«الجَلْيطَة» التى تطبع التعامل مع المستشفيات الحكومية لكونها تستقبل البسطاء الذين لا حول لهم ولا حكومة، لكن العجيب هو أن تلقى نفس المعاملة فى مستشفى خاص ستدفع لهم أموالا طائلة لتضمن خدمة مميزة لا احترافية عالية.. صدقنى لا خير فى الحالتين مادامت رسالة الطب قد فقدت قيمتها وأصبح الأطباء يتنافسون بينهم على الثروة العقارية، لا على فرص الشفاء.. كان الطبيب العربى يعقوب بن إسحاق الكندى ينصح من يمتهنون الطب من بعده قائلا: «العاقل يظن أن فوق علمه علمًا، فهو أبدًا يتواضع لتلك الزيادة، والجاهل يظن أنه قد تناهى، فتمقته النفوس».