يبدو أن الفساد وغياب دولة القانون وتراجعها أمام أصحاب النفوذ و«الفتونة» و«البلطجة» بأشكالها المختلفة فى الأربعين عاما الأخيرة لم يضرب فقط فى مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية، وإنما أصاب أيضا المؤسسات الرياضية التى تخلت عن دورها فى نشر الوعى والأخلاق ولغة راقية لنبذ الكراهية والتعصب، والأزمة العبثية التى نراها الآن فى الساحة الرياضية بسبب لاعب كرة قدم هى خير دليل على الترهل والعشوائية فى كل مؤسساتنا.
فلا أرى أى معنى فى أن يهدد أحد الأندية مازال حتى اللحظة تابعا للدولة وتحكمه قوانينها، بالانسحاب من المسابقات الكروية المحلية لمجرد أنه لم يحقق مطلبه ولم يفرض شروطه التى اعتاد عليها فى غياب دولة القانون، بشأن قيد اللاعب الذى لا تعرفه جماهير مصر بمن فيهم بعض جماهير النادى الغاضب، ليس هناك معنى لذلك سوى الابتزاز وعدم احترام القوانين واللوائح والتعامل بالشعار الوهمى المستفز بأنه «فوق الجميع»، ولا قيمة للقانون ولا للوائح ولا أى شخص فى الدولة مهما علا شأنه، وكأن شيئا لم يحدث وكأن تغييرا لم يجر فى مصر والأيدى الخائفة المرتعشة مازالت هى الحاكمة ومنطق الفتونة والدراع والتهديد والوعيد هو السائد.
لا أعرف ماذا لو كان اللاعب الذى هاج وماج النادى الأهلى من أجل قيده فى قيمة وحرفنة لاعب مثل الأرجنتينى ميسى أو البرازيلى نيمار أو البرتغالى رونالدو، هل كان سيكتفى بالانسحاب فقط أم أنه كان سيهدد الجميع الذى هو «فوقه» بالسيارات المفخخة بالريموت كنترول وبالمتفجرات وبمئات «الاستشهاديين» كما هدد الإخوان وأتباعهم من فوق منصة رابعة؟ هل هذه هى لغة الرياضة فى مصر الآن؟ ومن أجل ماذا؟ ومن يتحكم ويحكم فى الأندية الرياضية الآن، الدولة وقانونها أم رؤساء ومجالس الأندية التى تتعامل بمنطق القبيلة والعشيرة واستعراض القوة والشعارات الزائفة، لا بمنطق العقل والحكمة واحترام القانون؟!
أظن أنه بدلا من لغة الانسحاب والتهديد من الأفضل أن يلجأ المتضرر للقانون للحفاظ على حقوقه، وإذا لم تنصفه اللوائح المحلية فهناك المحكمة الرياضية الدولية، هكذا يكون تصرف الأندية التى تزعم أنها أندية كبيرة، فلا أحد فوق أحد ولا ناديا فوق الجميع، الكل، من المفترض، سواء أمام القانون. رحم الله زمن رؤساء الأندية الكبار فى الأداء وفى السلوك وفى العقل وفى الأخلاق العالية، وفى معالجة الأزمات والتعامل معها بالحكمة، ورحمنا أيضا من زمن الهواة والفتونة.