«منذ ثلاثة أشهر تقدمت إلى القنصلية المصرية بهيوستون لكى أجدد جواز سفرى المصرى، وبما أن موظفى هذه القنصلية يتميزون بالكسل، حيث تعاملت معهم بشكل سابق، فقد قررت أن أحدد تعاملى ليكون بشكل غير مباشر عن طريق البريد، لذا فقد أرسلت كل ما يتطلبه الأمر من أوراق عبر رسالة بالبريد، وأرفقت بها ظرفًا بطابع مكتوب عليه عنوانى البريدى حتى لا يفكر الموظف المسؤول، أو حتى لا تتكلف القنصلية ثمن طابع بريد لإرسال الباسبور، وقد كلفنى ذلك 30 دولارًا بالتمام والكمال، وانتظرت كثيرًا عدة أسابيع، ولكن بلا فائدة، فاضطررت أن أسافر مصر لإجازتى ودخلتها بجوازى المنتهى، فأنا لا أتعامل بجوازى الأمريكى إلا فى أضيق الحدود.
وبعد انتهاء عطلتى فى مصر عدت إلى دالاس، آملة أن أجد جواز سفرى الجديد قد وصل، ولكن لم يحدث، وحين طال انتظارى حاولت الاتصال بالقنصلية فى مواعيد العمل الرسمية بهم، من العاشرة حتى الثانية ظهرًا فقط، ويعملون طبعًا خمسة أيام فى الأسبوع، كما يحصلون على إجازات فى أعياد مصر الرسمية، والأعياد الأمريكية كذلك، وعاودت الاتصال عشرات المرات فى أوقات عملهم الرسمية القليلة، ولم يكن هناك من رد إلا جهاز آنسر ماشيين يردد نفس الردود الغبية، مما يعنى لو أن هناك مصريًا فى أزمة طارئة يحاول الاتصال بقنصلية بلاده ليستنجد بها فسيموت، ويتعفن قبل أن يتنازل ويرد عليه أحد العاملين فى القنصلية.
استمررت فى إصرارى على محاولة الوصول عبر الهاتف للقنصلية، وبعد أيام ردت على سيدة إما لبنانية أو سورية وكانت لطيفة جدًا، وأخبرتنى أن جواز سفرى جاهز للاستلام منذ شهر، وعجبت لماذا لم يرسلوه، فقالت لى لأن الظرف الذى أرسلته بطابع البريد قد ضاع، وحين سألتها ولماذا لم تخبرونى بالاتصال، وكان عليهم أن يتولوا هم إرساله ماداموا هم من أضاعوا ما أرسلته، ولكن السيدة اللطيفة قالت لى معلش تعالى خديه بنفسك بدل ما الجواز كله يضيع.
أنهيت المكالمة وجلست أفكر أن ذهابى للقنصلية بشكل شخصى سيكلفنى عشر ساعات قيادة بالسيارة، ويومًا مقتطعًا من عملى، وأن هذه تكلفة باهظة فى الوقت والجهد لا أملك رفاهيتها ثم طرأ على عقلى سؤال لماذًا أساسًا أحتاج لجواز سفر مصرى.. حسبى الله ونعم الوكيل»..
كانت تلك رسالة أرسلتها لى صديقة طفولتى من أمريكا باللغة الإنجليزية نشرتها كما هى بالحرف والكلمة، فقط ترجمتها للعربية بأمانة شديدة، وإن كانت «حسبى الله ونعم الوكيل» التى ختمت بها رسالتها كتبتها بالعربى بحروف لاتينية، وحين قرأتها تذكرت مباشرة فيلم «عسل أسود» لأحمد حلمى، ولكن عسل حلمى الأسود السينمائى استطاع أيمن بهجت قمر أن يمنحه حلاوة رغم سواده، ولكن العسل الأسود الواقعى مر كالعلقم، فما الذى يدفع مصرية تفخر ببلدها مهما تناوبت عليها المصائب، وتتمسك بجواز سفر لا يساعدها فى دخول أى بلد، بل ربما يكون عائقًا؟ ومن الذى دفعها لتكفر بهذه الجنسية وتدعو على من تسبب فى ذلك؟
السيد سامح شكرى، وزير الخارجية المسؤول عن سفاراتنا فى الخارج، مهما كنا فقراء، ومهما كانت لدينا مشاكل فى بلادنا لا تجعل موظفيك الذين يتقاضون رواتبهم مهما كانت قليلة، وهى ليست كذلك، ينثرون وينشرون العسل الأسود العلقم فى حلوق أبناء مصر بالخارج، ولدى مئات من الأمثلة لمصريين محبين لبلادهم كفروا بها بسبب موظفيك، وما أحوج مصر لأبنائها المؤمنين لا الكافرين بها.. سيادة وزير الخارجية كفاية عسل أسود، لقد هرمنا.