لاشك أن المتابع الجيد لأعمال دار الإفتاء المصرية فى الفترة الأخيرة، يلحظ أنها تأبى أن تسير فى ركاب النمطية فى التعامل مع الأمور، أو أنها تحب أن تمارس دورها بصورة شكلية، بل المتابع الجيد لأعمال هذه المؤسسة يعرف جيدًا أن القائمين عليها يريدون أن يثبتوا أنهم قادرون على فعل أمور تبهر المتابع لهم وتجعله يرفع لهم القبعة احترامًا وإجلالاً.
فمنذ ما يقرب من العامين أطلقت دار الإفتاء مجموعة من المشاريع والمبادرات المهمة التى تصب فى محاربة الفكر الإرهابى المتطرف بصورة علمية ورصينة؛ فأطلقت المرصد التكفيرى، والذى يتابع ويرصد ويحلل كل ما تخرجه الجماعات المتطرفة من فكر شاذ وفتاوى تكفيرية، ربما كان فى البداية بصورة بسيطة لكنه سرعان ما تطور وصارت الردود رصينة وعلمية وفق منهج دقيق، ولم تقف الدار عند هذا الأمر بل أصبحت تطلق بين الفينة والأخرى تقارير لمحاربة الفكر الإرهابى الضال، بجانب النشرات الأخرى كنشرة "إرهابيون" وبصيرة وغيرها بجانب مواقعها ذات اللغات المتعددة.
ومؤخرًا فاجأتنا دار الإفتاء فى الأيام الماضية بإعلانها عن مؤتمرها العالمى "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل" والتى استقدمت له علماء ومفتين من كل بقاع الأرض ليدلوا بدلائهم فى قضية غاية فى الخطورة وهى الفتوى، والتى أصبحت سلاحًا تتلاعب به التنظيمات الإرهابية لتضفى على أفعالها الإجرامية مبررًا شرعًا ومخرجًا من كل ضيق يقابلها.
تكمن أهمية مؤتمر الإفتاء العالمى فى التوقيت والمكان، فالزمن الآن يشهد موجة عنف لتيارات تبحث فى بطون الكتب التراثية عن فتاوى تشرعن لهم العنف، فكان على المؤسسة الدينية العريقية وذات الشأن فى هذا المجال أن تعلن عن نفسها لترد بقوة على الأفكار الضالة بمنهجية علمية تحسد عليها، أما المكان فمن مصر الكنانة مصر الأزهر والوسطية والريادة، وهذا أعتقد أنه كان من أسباب نجاح المؤتمر لقيمة مصر الكبيرة.
وتأتى أهمية المؤتمر أيضًا فى تركيزه على الفتوى من كل جوانبها، لأن بها إصلاح المجتمع من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها كونها تحتك بمصالح المسلمين العامة والخاصىة وتقيم مقاصد الشرع الشريف.
فالمؤتمر ضم مجموعة كبيرة من الفقهاء والعلماء من 50 دولة بالعالم قدموا خلاله أطروحات جيدة ونواة لمشاريع إفتائية مهمة نأمل أن تتحقق فى القريب العاجل، ومن المبشرات والتى تؤكد صدق القائمين على المؤتمر أن تحولت دار الإفتاء بعد المؤتمر إلى خلية نحل لبحث ودراسة تنفيذ توصيات المؤتمر العالمى للإفتاء.
من المهم والضرورى والذى يجب أن نشير إليه أن هذا المؤتمر لابد أن يكون سنويًّا وبصفة دورية وترعاه الدولة، خاصة أن هذا الحقل يحتاج إلى مزيد من التجديد بحسب تغير أحوال الناس والأماكن والأزمنة، بالإضافة إلى أن منطقة الفتوى منطقة شائكة تجرأ عليها أصحاب البضاعات الكاسدة والإمكانات المتواضعة، وأعتقد أن سعى دار الإفتاء فى هذا المسعى يتفق ودعوة الرئيس السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى.
فكرة إنشاء أمانة عامة للإفتاء تعيد إلى الأذهان فكرة المجامع الإسلامية الكبيرة التى تضم كوكبة من كبار علماء الأمة لكى يقرءوا الأحداث والمستجدات ويكيِّفونها تكييفًا شرعيًّا يخرج فى صور فتاوى أو دراسات وأبحاث توضح للناس ما أشكل عليهم؛ فى ظل حالة من الفوضى تعترى مجال الفتوى، والتى يترتب عليها أذى كبير للأمة لا يقف عند الحد المعنوى بل يطال أمن وأمان الأمة، وتزهق به الأرواح.
نتمنى من الدولة كما دعمت المؤتمر وعلماءه أن تؤكد استمرارية هذا الدعم خاصة أن دار الإفتاء كانت وما زالت تؤكد أنها مؤسسة دولة تنظر إلى العمل السياسى من منظور مصالح الأمة العامة قبل الخاصة، فلماذا عندما نرى مثل هذا النموذج الجيد ألا نشجعه، بل على رجال الأعمال الصالحين المشاركة فى مثل هذه الفعاليات المهمة ودعمها.
تحية لدار الإفتاء والعاملين بها على نجاح مؤتمر الفتوى ونأمل أن نرى منهم الجديد إن شاء الله، ونسأل الله لهم التوفيق والسداد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة