عمرو جاد

الحنين لزمن «الرشوة» الجميل

الأحد، 23 أغسطس 2015 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نكره نحن المصريين «الاستغفال» رغم أننا نبدأ ممارسته بعد حمام الصباح وحتى أحاديث المساء الهامسة، لكن الثقة التى تشع فى نظرات موظف المرور لم تكن أبدا توحى بأى نوع من الخداع يستطيع المواطن الخبير أن يكتشفه - هذا لا يسقط نظرية أن كلاهما لا يثق فى نزاهة الآخر - فذهب صاحبنا ليشترى الورقة المطلوبة ويدفع الرسوم للخزينة ثم يخرج من المرور بمشاعر متضاربة هل يفرح لنجاحه فى إنهاء مصلحته، أم يعود ليتشاجر مع الموظف الذى جعله يشترى استمارة، ثم يكتشف أنها مكتوب أسفلها «توزع مجانا».

جميعنا تعرض لعملية خداع أو اثنتين فى إحدى المصالح الحكومية، وبالتأكيد بعدما دفعنا «الإكرامية» المعتادة، ليس لأن موظفينا فاسدون فقط، لكن لأن فسادهم تخطى مسألة الطمع فى أموال المواطن، وتحول ضمن الانهيار المتفشى فى منظومة الأخلاق إلى «بجاحة» فى أقصى درجاتها، وغل وكراهية للمواطن البسيط وكأنه مسؤول عن هموم الموظف ومآسيه الشخصية.. هو لا يقبض راتبه ليجعل حياة الناس أكثر بؤسا من حياته، ولا يطمئن أنه آمن مما يسقيه للبشر، فالكأس دائر والفاسد سيجد من هو أشد منه فسادا ليحول حياته إلى جحيم.

بعد انتهاء الغبار الثائر حول قانون الخدمة المدنية، نحتاج فعلا لمبادرة إصلاح نفسى وأخلاقى لكثير من موظفينا، لا تسأل الواحد منهم لماذا ترتشى؟ اسأله أولا لماذا لا تبذل جهدا حقيقيا مقابل تلك الرشوة؟ دعنا نكن واقعيين، غالبية المغلوبين على أمرهم فى هذا الشعب تقبلوا الرشوة أمرا واقعا وشرطا لازما لإنهاء أى أوراق رسمية والآن يتساءلون بحق: لماذا لا يرضى بنا الهم بعد أن ارتضينا به؟.. البحث عن موظف شريف الآن أكثر صعوبة من توثيق توكيلا لبيع دراجة نارية، ومازال الناس صابرين، والذين أنهوا إجراءاتهم دون رشوة أو تعقيدات بيروقراطية كادوا يفقدون حياتهم ثمنا للفرحة وعدم التصديق.. وتوقفنا عن الجدل الأخلاقى حول شرعية الأموال التى ندفعها دون وجه حق فى المصالح الحكومية والشوارع والمستشفيات وحتى المقابر، المهم أن تتخلص من هذا الوجه المتجهم والعقل المنغلق والضمير الشاذ، شاذ لأنه يقبل الرشوة صباحا ثم يجلس ليعطى أطفاله دروسا فى المساء عن قيمة الشرف والعمل الجاد وزمن الفن الجميل.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة