ليس بمستغرب على الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن يطلق دعوته خلال المؤتمر العالمى للإفتاء، الذى اختتم أعماله منذ أيام داعيا المفتين لتجديد النظر فى قضية تولى المرأة القضاء.
فالشيخ الجليل الذى سبق وتولى رئاسة جامعة الأزهر ومن قبله منصب المفتى عالم مستنير يجيد الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وترجم العديد من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، ومعروف بآرائه الوسطية البعيدة عن التشدد .
وخلال كلمته بالمؤتمر دعا الطيب العلماء والمشايخ لضرورة إعادة النظر فى بعض القضايا والفتاوى المتشددة مثل قضية اقتناء التحف والتماثيل وقضية تولى المرأة القضاء، وقال متعجبا: "هل يعقل أن تظل قضية تولى المرأة للقضاء محل خلاف عميق فى وقت صارت المرأة فيه ضابطًا وقائدًا للطائرات وأُستاذًا فى الجامعة ووزيرًا فى الحكومات"؟!
هكذا حملت ثنايا كلمة الطيب تأكيدا ضمنيا على أنه يجوز للمرأة تولى القضاء!!
ولكن هل يعقل أن ينادى شيخ الأزهر ويدعو العلماء لإعادة النظر فى قضية تولى المرأة للقضاء، بينما يخلو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية من وجود أى من العالمات الأزهريات، وهن كثر ومنهن من تولت منصب عميد بإحدى كليات الجامعة ومن تصلح للفتوى وتحمل من العلم والدراسة ما يؤهلها لذلك، ويثق فيها معظم النساء ويلجأن إليها خاصة فى الفتاوى النسائية، التى تتحرج النساء فى البوح بتفاصيلها للمفتين الرجال، ومنهن الدكتورة عبلة الكحلاوى، والدكتورة سعاد صالح وغيرهما كثيرات.
مولانا الإمام الأكبر مقاعد مجمع البحوث الإسلامية والإفتاء وهيئة كبار العلماء تخلو من وجود أى من العالمات الجليلات فهل لا تثقون فى قدرات أى منهن فى شغل بعض هذه المقاعد، وهل لم ينجب الأزهر وجامعته أيا من العالمات الجديرات بهذه المهام، وهل يعقل أن تدعو العلماء لإعادة النظر فى تولى المرأة للقضاء، بينما لا تجلس أى امرأة على مقعد الإفتاء أو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء؟
إن التاريخ الإسلامى يمتلئ بالكثير من النساء اللاتى تصدين للفتوى وعلمن الرجال، بدءا من أمهات المؤمنين اللاتى نقلن إلينا أحكاما شرعية وسننا وأحاديث نبوية، فكان كبار الصحابة يسألون السيدة عائشة عن الكثير من الأحكام الشرعية والفرائض وقالوا عنها: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً فى العامة، ومقصد الرجال والنساء فى الفتيا "
كما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسأل ابنته السيدة حفصة عن بعض الأحكام الشرعية، التى تخص النساء ولا تعرف تفاصيلها إلا المرأة، كالمدة التى تستطيع فيها الزوجة الابتعاد عن زوجها وغير ذلك من المواقف المشابهة ".
ولم يقتصر الأمر على أمهات المؤمنين، بل هناك الكثيرات من العالمات اللاتى تفوقن حتى على الرجال على مر التاريخ، ومنهن أم الدرداء التى روت علماً جمّاً عن زوجها أبى الدرداء، وعن سلمان الفارسى، وكعب بن عاصم الأشعرى، وعائشة، وأبى هريرة، وصفية بنت شيبة ومعاذة بنت عبدالله، والسيدة نفيسة العلم، التى تعلم منها كبار العلماء من الرجال ومنهم الإمام الشافعى، وفاطمة الدمشقية، التى أخذ عنها العلم الحافظ بن حجر، وغيرهن كثيرات من العالمات الفقيهات فى عصر النبوة وبعده وعلى مر العصور، فهل نضب المعين يامولانا الإمام فى عصر العلم الذى تقلدت فيه المرأة أعلى المناصب وحصلت على أعلى الدرجات العلمية - كما أشرت فى حديثكم للمشايخ والعلماء- فلا نجد امرأة واحدة تشغل مقعدا فى مجامعنا الفقهية؟
وهل تدرك مسألة المرأة وأدق تفاصيل حياتها وحيرتها فى بعض المسائل الشرعية إلا امرأة مثلها؟!
فضيلة الإمام الأكبر ابدأ بنفسك وبمؤسسة الأزهر الشريف أكبر مؤسسة إسلامية لتكون قدوة لغيرك من العلماء والمشايخ والمؤسسات، وتقدم نموذجا عمليا فى ضرورة إعادة النظر فى الأمور، التى لم تعد تتناسب مع العصر، وإذا كنت تدعو العلماء لإعادة النظر فى قضية تولى المرأة للقضاء فمن باب أولى أن تعيد النظر فى قضية تولى المرأة مهمة الإفتاء والمشاركة فى مجالس العلم والفقه، ونحن على ثقة فى أنك خير من يقود التجديد والتنوير بالأفعال والأقوال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة