بدأت وتصاعدت وانتهت مؤقتا أزمة اعتصام أمناء الشرطة فى محافظة الشرقية على أمل من وزارة الداخلية أن تكون انتهت بشكل كامل وعلى أمل من أفراد الشرطة أن يعودوا للتظاهر والاعتصام الشهر المقبل إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، إذاً هى أزمة معلقة ولكن بعيدا عن كونها مستمرة أو انتهت فقد كانت أزمة كاشفة لكثير من القصور فى هذا البلد، والمصيبة الحقيقية هى أن كل أزمة نواجهها فى مصر تكون كاشفة لأوجه قصور ومصائب كثيرة، ولكن سريعا ما يسعى المسؤولون عنها سواء بالحل أو التعقيد إلى تغطيتها وإهالة التراب عليها، وكأن شيئًا لم يكن، متصورين أن العورة تم سترها وما هى سُترت ولا غير.
ولنأخذ من هذه الأزمة عدة أمثلة على عورات كشفتها وأولها جدية تطبيق قانون التظاهر على الجهاز المنوط به تنفيذه، فهذا القانون يقبع بسبب التظاهر ضده عدد من المصريين فى السجون لأنهم لم يخطروا السُلطات مسبقاً بالرغبة فى التظاهر والحصول على تصريح، فهل فعل ذلك أمناء الشرطة وحصلوا على موافقة للتظاهر؟ بالتأكيد لا ولكن المتحدث باسم الوزارة حاول أن يكحلها فعماها تماما حين تحدث فى مداخلة تليفزيونية وقال إنه ليس تظاهرا ولكنه احتجاج.. لا يا راجل.. ولهذا فلكل هؤلاء الذين يريدون التظاهر أن يغيروا، ينسوا الكلمة ويقولوا نحن نحتج ولا نتظاهر، وبكده يفلتوا من تهمة خرق قانون تنظيم التظاهر, ولا تظن أنى من مؤيدى التظاهر فى هذه اللحظة من عمر مصر، ولكن فكرة الخيار والفاقوس تعبنا منها، فالمساواة فى الظلم عدل وفى حق التظاهر لا فرق بين حاتم وأمين الشرطة اسم الله عليه وأى مواطن.
أما العورة الثانية التى كشفتها الأزمة فهى عورة متكررة من الإعلام التى روج البعض لها باعتبارها أزمة مصنوعة بالاتفاق مع الإخوان وهو أمر جد خطير، فنعم الإخوان فصيل خائن لا يرضى لمصر الاستقرار أو الخير، ولكن من الكوارث أن نُرجع كل عورة ونقيصة فى مصر لهم، وكل أزمة تصبح من صنعهم وبذلك نمنحهم قوة لا يستحقونها والأهم نحن نمنح أنفسنا وهمًا أنه لولا وجود الإخوان ما كان لدينا مشاكل وتلك خطيئة فى حق أنفسنا ووطن ينتظر منا العمل على علاج المشكلات لا إهالة التراب عليها.
وتأتى العورة الثالثة أيضا، مشاركة بين الإعلام ووزارة الداخلية، فقد ردد أحد الإعلاميين أن مرتب أمين الشرطة يبدأ من أربعة آلاف جنيه ويصل لسبعة آلاف جنيه، وهو قد يبدو مبلغا كبيرا جدا مقارنة بمرتب الأطباء وكثير من موظفى الدولة الآخرين، ولم تعلق الداخلية بصحة أو خطأ هذه المعلومة التى دفعت عامة الناس ليس فقط لعدم التعاطف مع أمناء الشرطة، ولكن للإحساس بالضغينة ضدهم بمنطق جتنا نيلة فى حظنا الهباب، وربما هذا الأمر صحيح أو غير صحيح، ولكن لا أحد أيد أو نفى الرقم، لأن ذلك فيه مصلحة، ولكن حين تتنافى المصلحة مع ما يعلنه الإعلام أحياناً حتى لو كان صحيحا يسعى كثير من المسؤولين للنفى أى أن نفى الخبر أو تأيبده مرتبط بمصلحة المسؤول أو الجهة وليس لصالح الحقيقة، وأخيرا وليس آخراً مع كل الإجلال لدور الشرطة فى حماية الوطن، متى يقتنع المسؤولون فيها وعنها أنه لابد من ترتيب أوراق البيت من الداخل وإعادة تنظيمها، وأتمنى أن يجيبوا على سؤال مواطنة بسيطة: هو أمين الشرطة بيعمل إيه بالضبط غير أن سعاد حسنى تغنى له وخالد صالح يمثله؟