نعم لقد أسقطت هبة يناير العظيمة مبارك ولكن لم تتحقق الثورة حيث تم اختطافها من جماعة الإخوان التى كانت تريد حكم مصر لمئات السنين المقبلة بعد تغيير هويتها. نعم لقد أسقطت هبة يونيو الرائعة مرسى وجماعته ولكن لم تتحقق الثورة حتى الآن بمفهومها العلمى والسياسى الذى يعنى ذلك التغيير الجذرى لكل مناحى الحياة للأحسن. ولكن فى كل الأحوال لقد كان هناك تغيير فعلى على أرض الواقع منه ما هو إيجابى مثل كسر حاجز الخوف لدى الجماهير وعدم قدرة الحاكم على تجاهل الرأى العام ووضعه موضع الاعتبار وذلك بعد إسقاط الشعب لنظامين فى عامين. وهناك متغيرات سلبية كانت نتيجة لحالة الفوضى الأمنية ومحاولة كسر هيبة الدولة واستغلال شعار الحرية لتحويله إلى فوضى لصالح من لا يريدون الخير للوطن فزادت حالات إسقاط القانون وانتشار الفساد الذى تراكم واستشرى عبر سنوات حكم مبارك.
ولذا جاء نظام يونيو على أرض جدباء ومناخ فاسد ومشاكل متراكمة وفوضى أمنية وحالة اقتصادية متردية ومشاكل يومية حياتية لا تنتهى بالكهرباء والبنزين والبوتاجاز فهناك تعليم فاشل وعلاج غائب وبطالة متزايدة وعجز متسارع وتضخم مرتفع وأسعار لا علاقة لها بأى دخول ومع كل هذا كانت وما زالت هناك آمال كبار وطموحات عريضة ينتظر الشعب تحقيقها ناهيك عن شعارات الثورة وأهمها تحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى هذه الأرضية وتلك الخلفية جاء السيسى مؤمناً بمصر الجديدة مصر كل المصريين وهنا كانت بلا شك ومازالت المعضلة الحقيقية للنظام. وكان المخرج مشروع قناة السويس الذى كان كاشفاً لعظمة المصريين وصمودهم وإصرارهم على التحدى كعادتهم فالشعب المصرى الذى إن مرض فهو لا يموت. فأهمية وعظمة هذا المشروع ليست فى عائده الاقتصادى ولا استثماراته المستقبلية ولكن فى توقيته الحساس الذى أرسى قيم رائعة تؤكد أن الشعب المصرى دائماً تستفذه التحديات وتخرج معدنه المواجهات وعندما يجد القيادة المؤمنة به يعطى الثقة كل الثقة لهذه القيادة.
فبالرغم من حملات التشكيك فى المشروع وفى مدة إنجازه لقد تم وفى الميعاد المحدد وبأموال المصريين وليس أحد غيرهم.سيتم افتتاح المشروع بعد غد فليكن افتتاحاً أسطورياً فليحضر العالم كله ولكن الأهم أن هذا المشروع لن تقتصر عظمته بعظمة افتتاحه أو بمجرد إنجازه ولكنه هو مشروع تاريخى بكل معنى الكلمة فيما يخص إعلان الإرادة المصرية فالسد العالى الواقع الآن قد تجاوز فوائده ولكنه سيظل علامة تاريخية بارزة لقدرة المصريين، كذلك مشروع القناة هو أيضاً علامة تاريخية بارزة تؤكد إرادة المصريين. ولذا فليكن اليوم التالى للافتتاح الجمعة 7/8 هو البداية الحقيقية لبناء مصر الجديدة فإذا كان الجيش قد أوفى بعهده فهو جيش كل المصريين.
وإذا كان إنجاز الجيش يختلف جذرياً عن الحالة المتردية التى يعيشها الوطن وعلى كل المستويات هذا يعنى أننا نحتاج الحزم والانضباط والمحاسبة وتفعيل القانون. نعم هذه ليست مهمة السيسى فقط ولكنها مهمة حكومة تعى دورها وتملك رؤية سياسية هى مهمة أحزاب يجب أن تسعى للجماهير وتملك وجوداً سياسياً حقيقياً هى مهمة التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية هى مهمة الفكر الدينى الذى يجب أن يتغير حسب الواقع هى مهمة المواطن الذى نضمن له حقوقه قبل أن نطالبه بواجباته مواطن يشعر بملكيته لوطن حتى ينتمى إليه وذلك عندما نحقق حقوق المواطنة للجميع وعندما نطبق القانون على الجميع دون تمييز حتى تصبح مصر وطناً لكل المصريين. فهل يمكن أن يكون مشروع القناة بداية حقيقية لبناء الوطن بعيداً عن مزايدة المزايدين ونفاق المنافقين الذين يتسلقون أشجار كل الأنظمة ولمصلحتهم الخاصة. نتمنى هذا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة