146 عامًا مرت ثم قررت مصر أن تغير خارطة العالم من جديد، ومن السويس أيضًا ولكن هذه المرة بمشروع قومى مئة بالمئة، مثل للمصريين حلمًا جميلًا هبوا لتحقيقه بثقة وإيمان وحماس تجلوا فى تدافعهم الشديد وإقبالهم الكثيف على شراء شهادات استثمار قناة السويس الجديدة.
الاختلافات بين القناتين لم تقتصر على الطول وظروف البلاد وتغير الزمان فحسب، ولكنها امتدت لتشمل أوضاع العمال وعائدات المشروع والقائمين عليه وتمويله وغيرها من الاختلافات التى نرصد 8 منها فى هذا التقرير.
الزمن والتطور التكنولوجى يمنع تكرار مأساة عمال قناة السويس الأولى
ظروف قاسية عاشها مليون فلاح مصرى أثناء حفر القناة الأولى، بين السخرة وقلة الرعاية الطبية ومياة الشرب، والغربة والابتعاد عن الأهل والأحباب، بعد أن تم إجبارهم على ترك بلادهم وحقولهم ليشاركوا فى حفر القناة، وكانت ضريبة هذه الأوضاع السيئة وفاة 120 ألف منهم بسبب الجوع والعطش وسوء المعاملة إضافة إلى الأمراض والأوبئة التى انتشرت بينهم، مثل النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وأمراض الكبد والجدرى والسل وأخيرًا الكوليرا.
أما فى القناة الجديدة فالوضع اختلف تمامًا، حيث شارك فى الحفر 20 ألف عامل مصرى فقط، استخدموا 45 كراكة فى عمليات الحفر المائى وتوفرت ظروف أكثر آدمية وإنسانية للعاملين إضافة إلى الرعاية الصحية والطبية فوفقًا لبيان أصدره الدكتور "عادل عدوى" وزير الصحة قبل أيام، فإن الوزارة وفرت 9 مستشفيات ميدانية انتشرت بطول القناة الجديدة فى تسعة مواقع مختلفة، إضافة إلى العيادات المتنقلة وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية التى توافرت فى المكان.
وأضاف أنه حتى يوم 29 يوليو الماضى تم توقيع الكشف الطبى على 16683 حالة، بينهم 103 حالات ضربة شمس و6 حالات لدغ عقارب.
أما حالات الوفيات التى شهدتها أعمال حفر القناة الجديدة فكانت 7 حالات فقط.
فيما سهل تطور وسائل النقل والوسائل التكنولوجية التواصل بين العاملين فى حفر القناة الجديدة وذويهم وخفف عنهم شعور الغربة كثيرًا.
من نابليون وفوازان إلى الفريق "حجازى" والمهندس "زكى".. القناة الجديدة بين أيدى "مصرية"
كان نابليون بونابرت هو أول من فكر فى شق قناة السويس الأولى مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وبعدها فى عام 1854 نجح ديليسبس فى إقناع الخديوى سعيد بشق القناة، وتولى المهندس الفرنسى "فوازان بك" منصب رئيس مهندسى موقع حفر القناة وكان مسئولًا عن كل تفاصيل الموقع من عمليات الحفر إلى العلاقات بين العمال. وعلى عكس القناة الأولى التى قام عليها بشكل أساسى أجانب أو تحديدًا فرنسيين، جاء مشروع قناة السويس الجديدة بأيدى مصرية 100%، وهى النقطة التى أشار إليها الرئيس السيسى لحظة إعلانه عن المشروع، حيث لفت إلى أن المصريين لديهم حساسية تجاه مشاركة الأجانب فى مشروعات قناة السويس أو تطويرها، وأكد على أن قناة السويس ومشروعاتها منذ عام 1956 ملك لمصر فقط، مشددًا على أن الحكومة ستضع ضوابط تضمن عدم تملك غير المصريين لأسهم القناة.
وكلف الرئيس السيسى الفريق محمود حجازى رئيس أركان الجيش المصرى بعدم مغادرة منطقة القناة حتى يتم تنفيذ المشروع خلال عام، فيما تولى المهندس "وجدى زكى” منصب المدير التنفيذى لأعمال التكريك بالمشروع.
أرباح قناة السويس الجديدة من وإلى المصريين بعيدًا عن سيطرة "الامتياز"
حققت قناة السويس عائدات بلغت 68.8 مليار دولار منذ تأميمها حتى العام 2011، أما قبل تأميمها عام 1956 فكانت مصر لا تنال إلا الفتات من أرباح القناة بسبب الامتياز الممنوح لشركة قناة السويس التى كانت تملكها فرنسا، وبسبب الديون المتراكمة على مصر بعد حفل الافتتاح بالغ الفخامة والترف إضافة إلى الديون التى راكمها الخديوى "سعيد" ومن بعده إسماعيل على مصر.
أما أرباح القناة الجديدة فتؤول كلها للمصريين، حيث تتوقع الحكومة المصرية زيادة عائدات قناة السويس بنسبة 259% عام 2023، لتصبح 12.226 مليون دولار مقارنة بالعائد الحالى الذى يبلغ 5.3 مليار دولار، فيما يتوقع اللواء محمود متولى الخبير العسكرى والاستراتيجى ومؤسس الصالون البحرى أن تبلغ عائدات القناة الجديدة 2.13 مليار دولار، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل للشباب من خلال المشروعات التنموية الجديدة التى ستقام على محور القناة.
وتتوقع الحكومة أن يساهم المشروع فى تعظيم القدرات التنافسية لقناة السويس ويميزها عن القنوات المماثلة ويرفع درجة التصنيف العالمى لها نتيجة زيادة معدلات الأمان الملاحى أثناء مرور السفن.
عشرات الطوابع البريدية احتفت بقناة السويس الأولى.. ومصر تحتفل بالجديدة بعملات تذكارية ذهبية
طوال السنوات الماضية احتفت هيئة البريد المصرية بقناة السويس فى أكثر من مناسبة، بعضها يخص قناة السويس بشكل خاص كمرور 100 عام على إنشائها أو الاحتفال بافتتاح إحدى تفريعاتها الجديدة أو إعادة افتتاحها، فيما تتعلق المناسبات الأخرى بأحداث وطنية مصرية حضرت فيها "قناة السويس" كرمز قومى على الطوابع مثلها مثل الأهرامات. وكانت غالبية هذه الطوابع من تصميم الفنانين "لطفى الصواف" و"البدراوى”.
أما قناة السويس الجديدة فقد احتفت بها هيئة البريد بعدد من الطوابع من بينها تصميمًا أثار الجدل بعد أن ظهرت عليه صورة قناة "بنما" بدلًا من قناة السويس، فى عام 2014، أما فى هذا العام تم إصدار عملات تذكارية من الصلب المطلى المزدوج فئة الجنيه الواحد، وأخرى ذهبية عيار 21 بمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس.
من الإمبراطورة "أوجين" وولى عهد هولندا لـ بوتين والعاهل السعودى قصة المدعوون إلى حفل افتتاح قناة السويس "1869 2015"
وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى لكن هذه المرة بأفضل وجوهه وأزهى صوره، فلم تختلف كثيرا معالم احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1869عن 2015، نفس المكان نفس مقاعد الجلوس وحتى نفس الفعاليات الضخمة والضيوف والمدعون العمالقة مع اختلاف الأزمنة وتطور وسائل الاحتفال وتغيير وجوه قادة العالم.
لكن على الرغم من هذا التشابه إلا أن الاختلاف يكمن فى "الكيف" وليس الكم، فافى الماضى تسببت هذه الاحتفالات فى ديون وضعت مصر فى مأزق اقتصادى عشرات بل مئات السنوات بسبب أعباء تكلفتها الباهظة حيث سافر الخديوى "إسماعيل" إلى أوروبا فى 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة وبعد أن عاد الخديوى إلى مصر بدأ فى الإعداد للحفل الكبير فاستخدم 500 طاه وألف خادم ليكونوا فى خدمة الضيوف، وطلب من "دى لسبس" أن يقوم بالاستعدادات لضيافة ستة آلاف مدعوا كان على رأسهم الإمبراطورة "أوجينى"، إمبراطور النمسا ولى عهد روسيا ولى عهد هولندا وتحملت مصر نفقات السفن القادمة من جميع أنحاء العالم.
أما فى افتتاح قناة السويس 2015 فالأمر هنا مختلف كثيرا فلم تهدر السلطة أموالا باهظة مثلما حدث من قبل فاستغل الرئيس السيسى سفره إلى دول العالم المختلفة فى الفترات السابقة لتعزيز العلاقات المصرية الدولية ودعا قيادات الدول إلى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة تحت شعار "قناة السويس هدية مصر للعالم"، وبالفعل استجاب للدعوة أبرز رؤساء العالم وعلى رأسهم "الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والعاهل السعودى الملك سلمان آل سعود" دون أن تحمل الدولة أعباء زائدة، بل ستستغل هذه الاحتفالات فى التأكيد على الأمن والأمان التى مازلت مصر تتمتع به وستدعم الجانب السياحى فضلا عن طرح العملات الذهبية الخاصة بقناة السويس والتى تحمل رسمة مركبين يعبران فى عكس الاتجاه، للبيع فى الأسواق المحلية والعالمية.
قناة السويس من 10 سنوات حفر بالسخرة إلى سنة واحدة بإرادة مصرية ومعدات عالمية
146 عاما الفترة بين افتتاح قناة السويس الأولى عام 1869 وقناة السويس الثانية 2015، كانوا كافيين لتقليص واختزال عمليات الحفر من 10 سنوات مدة حفر القناة الأولى بسواعد مصرية وآلات بدائية للغاية مجبرة ومسخرة لهذا المشروع الذى يعد أهم مجرى ملاحى فى العالم كونه يتحكم فى 40% من حركة السفن، إلى سنة واحدة المدة التى استغرقتها مصر فى حفر قناتها الجديدة، فعلى الرغم من أنه كان من المقرر أن ينفذ المشروع فى مدة لا تقل عن 3 سنوات إلا أن الرئيس عبد الفتاح "السيسى” كان مصرا على الانتهاء منه وافتتاح القناة فى سنة واحدة، معتمدا على الإرادة الشعبية التى اختارت هذه المرة أن تشارك فى هذا المشروع القومى بمحض إرادتها بعيدا عن السخرة والاستعباد هذا إلى جانب أحدث الوسائل التكنولوجية المتخصصة والحفارات العالمية العملاقة، وبالفعل تم البدء فى العمل بقوة وجهد مضنى من كل العاملين فى إنشاء وحفر قناة السويس الجديدة، وكان المصريون باختلاف توجهاتهم يزورون مناطق الحفر على مدار السنة ويحمسون العاملين بالقناة الذين أبهروا العالم بإخلاصهم الدائم للعمل دون التوقف لحظة واحدة، كما زار موقع الحفر كوكبة من نجوم السينما والتليفزيون والكتاب والصحفيين والمثقفين، فضلا عن الرحالات والزيارات للمواطنين العاديين والذين شاهدوا إنجاز الانتهاء من هذا المشروع العملاق فى موعد يسبق التوقيت المحدد له.
من الديون التى تركها الخديوى القناة الأولى إلى النهضة الاقتصادية" حلم "السيسى" من القناة الثانية
على الرغم من أهمية مشروع شق قناة السويس الأول والذى بدأ تنفيذه فى عهد الخديوى سعيد وافتتاحه فى عهد الخديوى "إسماعيل" إلا أنه كان مشروع فى ظاهره قوميا وفى باطنه خادما للمصالح الغربية فى مصر، فلم يعود المشروع على مصر بالخير والنفع طوال مدة الامتياز الأجنبى وسيطرت كل من فرنسا وبريطانيا على دخل القناة لحسابها الخاص سوا بالديون التى تسبب فيها إهمال كل من الخديوى سعيد أثناء فترة الحفر، والخديوى إسماعيل وإهداره لأموال الدولة بسبب التكاليف والأعباء المادية المبالغ بها التى تسبب بها حفل الافتتاح، وتوالت من بعده المديونات والقروض من الصندوق الدولى، ومع مرور الزمن وصل حجم ديون مصر إلى 1.8 تريليون جنيه حسبما أعلن البنك المركزى، والتى كان افتتاح قناة السويس نواتها الأولى.
فمنح سعيد باشا فرديناند دلسيبس عام 1854م امتياز شق قناة السويس بين البحر الأبيض والبحر الأحمر، وقد وجدت هذه الفكرة منذ القدم وكان حكام مصر من الفراعنة إلى محمد على يعارضون فكرة تنفيذها حتى لا يفتحوا للأجانب باب استغلال مصر، وفى نفس الوقت بدا فى إهدار مال الدولة دون أى عائد يسد هذا الإهدار مما أدى غل اختلال فى التنمية الاقتصادية بمصر نتج عنها هذا الكم من الديون.
وتأتى قناة السويس الجديدة فى حلم التغيير للرئيس السيسى"، الذى يعوض الماضى من خلال إعادة البناء الاقتصادى على نحو قويم نظرا لتخصيص دخلها وعائدها بالكامل لمصر دون شريك لإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى وتدعيم شتى المجالات.
بعد ما بدأها الفرنسيون والله وعملها المصريون.. قناة السويس 2015 مساهمة مصرية 100%
على الرغم من أن قناة السويس الأولى مشروع قومى إلا أنه ظل غربيا وتحت سيطرة كل من فرنسا وبريطانيا نظرا لمساهمة الأولى به من البداية للنهاية واحتلال الثانية لأرضيه، فلم يكون المشروع فكرا مصريا من البداية، حيث جاءت الفكرة مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، ففكر نابليون فى شق القناة إلا أن الفكرة فشلت ولم يستطع تنفيذها على أرض الواقع، وفى عام 1854 استطاع ديلسبس فى إقناع الخديوى سعيد وحصل على موافقة الباب العالى، ومن ثم أعطى الخديوى سعيد الشركة الفرنسية امتياز لمدة 99 عاما مقابل تحمل أعباء المشروع ماديا وإداريا، مما أفقد المشروع هويته حتى تأميم القناة واستردادها مصرية بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
أما بالنسبة لقناة السويس 2015 فهى مصرية مليون المائة، جاءت نتيجة لتضافر جهود الدولة والشعب فى أن واحد فى سبيل تحقيق حلمها على أرض الواقع دون أى تدخلات خارجية، وكانت استمارة قناة السويس هى السر فى النهوض بهذا المشروع العملاق، فشارك المصريون بكل ما أوتوا من مال للمساهمة فى مشروع قناة السويس الجديدة، وشهدت البنوك الوطنية الأربعة، التى تم الإعلان عنها كمصدر للاستمارات وهى بنك قناة السويس وبنك القاهرة وبنك مصر والبنك الأهلى إقبالا غير مسبوق، مما دفع البنك المركزى للإعلان عن إمكانية توزيع البنوك الخاصة لهذه الاستمارات لتخفيف من حدة الزحام، وبالفعل نجحت حركة المصريين فى تحقيق الحلم على أرض الواقع وافتتاح قناة السويس الجديدة يوم 6 أغسطس بعد عام واحد من بداية انطلاق المشروع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة