من زمان مفرحناش «خصوصا فى السنوات الأخيرة التى وقفت فيها البلاد مشدودة الأعصاب، ومنذ بناء السد العالى لم يلتف الناس حول مشروع قومى عملاق يكتبوا له الأشعار وينشدوا الأغانى ويرفعوا الإعلام ويزينوا الشوارع والميادين والمنازل.. وعادت الروح بعد شق قناة السويس الجديدة، وأوجه التشابه بين السد العالى والقناة ليس الإنجاز المادى والتشييد والطوب والحجارة والرمال، بل الإصرار والعزيمة والإرادة والأمل والتفاؤل، وغيرها من المعانى النبيلة التى تجسد إرادة شعب قرر أن «يفوت فى الصعب» ويروض المستحيل، فيا أيها الأغبياء المتربصون فى جحوركم، موتوا بغيظكم ودعونا نفرح، فلن تستطيعوا إفساد العرس، ولا تعكير صفو الاحتفال الكبير، ومن يرفع يده بسوء سوف تقطع رقبته، ولا مجال للعبث والتخريب والإرهاب، ولا مكان لمن يستخدم سلاحا أو يحمل قنبلة أو يثير الفوضى.
احذروا الغضب الشعبى الجارف إذا حاولتم الاقتراب من الخطوط الحمراء، فأمن البلاد فى هذه المناسبة منطقة محظورة، يحميها رجال أبطال بحياتهم وأرواحهم، تتويجا لإنجاز تاريخى يُسجل بحروف من نور لصانعيه، ويرسخ الشرعية الوطنية للبنائين الحقيقيين، ويعرى أكاذيبا تتساقط كل يوم كأوراق الخريف، لجماعة خدعت الناس بأنهار العسل فاكتشفوا أنها «طفح مجارى»، وتأكدوا بأنفسهم أن طائر النهضة مجرد غراب كسيح، وأصابوا البلاد والعباد بحالة من الغم والنكد والاكتئاب، وتنفس المصريون الصعداء حين أزاحوهم من فوق صدورهم.
سر فرحة الناس أن القناة الجديدة، هو الاحتفال بعودة الروح للمشاعر الوطنية المتدفقة، التى تفجرت كالنهر الهادر فى 30 يونيو، وكما تم تحويل مجرى النيل إيذانا بتدشين السد، تم تحويل مجرى الحماس الوطنى احتفالا بمشروع كبير، يرى النور على أرض الواقع، وكان بوسع المصريين أن يضاعفوا اكتتابهم، بما يغطى ثلاث قنوات وليس قناة واحدة، ليؤكدوا للعالم ثقتهم الكاملة فى الرئيس والدولة ونظام الحكم، وإصرارهم على الشراكة والمساهمة وليس الجلوس فى مقاعد المتفرجين، فشدوا ظهر الدولة وحرروا إرادتها، وقالوا بالفم المليان: ما حك جلدك غير ظفرك، لن نقبل ضغوطا أو مساومات من جهات التمويل الدولية، التى تفرض شروطها وتبسط نفوذها، وتدس أنفها فى الشأن الداخلى، فتوافق وترفض وتسوف وتماطل، واخرجوا من أموالهم فى ثمانية أيام فقط، ما يكفى لتنفيذ المشروع الذى يشبه المعجزة فى زمن قياسى.
وأضحت قناة السويس الجديدة حقيقة لا خيالا، حاملة البشرى باستدعاء نفس الروح العائدة، وتكرار نفس النموذج الناجح، فى مشروعات تنمية محور قناة السويس فى السنوات المقبلة، وهم يقولون- أيضا- لجهات التمويل الدولية والمستثمرين العرب والأجانب «مرحبا بكم»، لنتشارك معا فى فى مشروعات تعود بالخير على الجميع، دون إملاءات وشروط أو مساومات وضغوط، ولدينا القدرة على حسن الإدراة وسرعة التنفيذ والوفاء بالالتزامات.. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.