سأبتعد اليوم عن الحديث عن وزارة الثقافة.. استراحة قصيرة، سأتحدث عن قيمة عظمى افتقدتها حياتنا الفنية المصرية والعربية، هو الفنان الكبير نجيب فرح.. سألنى أحد الأصدقاء منذ شهور عن أهم ما يشغلنى الآن، قلت لا شىء يشغلنى غير مواعيد العزاء، فنحن نفقد كل أسبوع وأحيانًا كل يوم فنانًا أو كاتبًا قديرًا.
كان لخبر وفاة الفنان الكبير نجيب فرح وقع الصدمة لى، فأنا من محبيه من زمان، اختار لنفسه العزلة بعيدًا عن الزحام المجنون، ملأ الدنيا برسومه فى مجلة «ماجد» وغيرها من أكبر مجلات الأطفال، فضلًا على كونه أحد المؤسسين لمجلة «العربى الصغير» الكويتية، كان كما قال عنه الفنان مجدى الكفراوى إنه مدرسة فنية تتحرك على الأرض.. اختار الفن مثل أى فنان كبير، وابتعد عن صغائر الحياة الثقافية والفنية، ولم يسعَ لأى مما قد يسعى إليه أنصاف الموهوبين.. هو من أجمل وأعظم رسامى «الكوميكس»، وتوفى فى الثانية والستين من عمره بعد كفاح مع المرض، لم نسمع به، ولم نعرف عنه - المرض - شيئًا.. كان كما قال نجيب محفوظ عن الفنان الحقيقى يرفع لواء الاستغناء، الفنان الحقيقى هو من يكون عالمه الحقيقى ما يرسمه ويبدعه، وليس ما حوله من صغائر.. كان إخلاصه لفنه، أى لروحه، طريقه إلى كل أطفال وكبار العالم العربى، هل هناك جائزة أفضل من ذلك لأى عمل؟.. ابتكر مع الكاتب الكبير محمد المنسى قنديل شخصية «أبوالظرفاء» فى مجلة «ماجد» الإماراتية، فملأت الدنيا بالبهجة، وبالمناسبة محمد المنسى قنديل من أهم كتاب الأطفال فى العالم العربى، إلى جانب كتاباته الرائعة فى القصة القصيرة والرواية.
رسم نجيب «الكوميكس» للأطفال فوقعوا فى غرامه على امتداد العالم العربى كله، وكذلك فعل الكبار أيضًا كما قلت، كانت خطوطه مدهشة تكاد تنطق مع القصة، وتتحرك خارجة عن المجلة، وتتمتع بحرية وحضور مبهرين، وأضاف إلى ما فعله السابقون، أمثال المرحومين حجازى وبهجت عثمان، مدرسة خاصة به هو فى فن «الكوميكس».
هل ظلم نجيب نفسه بالابتعاد عن ضجيج الحياة الفنية؟ ربما، ففى بلادنا الحضور الشخصى مثل الإبداع للأسف، لكن التاريخ يقول عن أمثال نجيب إنهم لم يظلموا أنفسهم، بل نحن الذين ظلمناهم.. يبتعد الفنان حقًا، وأنا أعرف الكثيرين مبتعدين من الفنانين، لكن علينا نحن أن نحضرهم ونستحضرهم، من نحن حقًا حتى لا يكون الكلام مرسلًا؟، نقاد الفن وهم للأسف قليلون، الهيئات المدنية وهى مشغولة بمن يذهب إليها وهم كثيرون ورائعون، إذن هى وزارة الثقافة، لم أسمع يومًا عن استضافة لنجيب فرح فى صالون ما من صالوناتها ليسمع الشباب منه، ولا ندوة أقيمت عنه، ظلم وقع عليه مثل الظلم الذى يقع على كتاب الأطفال عمومًا فى بلادنا، وهم الذين يساهمون مبكرًا فى تكوين الناس، والآن هل يمكن لوزارة الثقافة أن تستدرك ذلك؟.. عدت إلى الحديث عن الوزارة مرة أخرى للأسف، لا تقل لى ماذا تفعل وقد أهملت الوزارات السابقة، أقول لك تفعل ما عليها، وما مضى قد أخطأ فيه غيرها، تلتقى مع أسرته، وبالمناسبة هى أسرة فنية كلها، وستجد الكثير لتفعله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة