تبسم النبى سليمان متعجبًا ومتعظًا من خوف النملة وحكمتها فى قيادة بنى جنسها بعيدًا عن الهلاك تحت قدمى نبى -حتى الأنبياء والصالحون لهم ضحايا لكن مغفرة الله أوسع- حينها لم تكن صحف مثل "المصرى اليوم" موجودة ليعتبر أحد كاتبيها أن ما أنجزه هذا المخلوق البسيط فى خدمة شعبه لا يستحق أن يكون تاريخًا يسطر أو فرحة تعطى الناس أملاً فى البقاء، وللصدفة البحتة هذا الكاتب هو الأستاذ سليمان الحكيم الذى خرج علينا فى صبيحة يوم خانق من شدة الحر ليوضح لنا الفرق بين التهوين والتهويل فى شأن قناة السويس الجديدة معتبرًا أن حفر 35 كيلو ليس إنجازًا يستحق هذه "المبالغة" فى الفرحة، بينما يحمل مقال الحكيم مبالغة فى "الغل" تستحق التأمل.
سقط الحكيم فى الفخ الذى حاول تحذيرنا منه فالرجل هون بشدة من حجم الإنجاز عندما اعتبر أن كونها "مجرد تفريعة" من القناة تم إنجازها فى عام، أمرًا لا يستحق الفرحة، ربما لا يعلم الكاتب أن أناسًا فى عالمنا يجترون الأمل حتى لا يهلكهم اليأس، ويأبون أن يحرمهم فقرهم من رؤية أى بارقة نور فى نهاية النفق، فى وقت تمتلئ فيه أنفاق التاريخ بالموتى من اليائسين، كما تمتلئ صحفنا اليوم بحاملى مشاعل الإحباط والمتخصصين فى تجفيف منابع الأمل.
وحتى إشعار آخر، كل يوم يستيقظ فيه المصريون على إنجاز ما، يؤلم قومًا آخرين نحن نعرفهم بسيماهم وإعلامهم وأموالهم، لا تصدق أبدًا أن هؤلاء يستهدفون السيسى ونظامه، فكلنا يعلم أن الأنظمة تزول وتبقى الشعوب الواعية، لهذا يعطى عدوك لنفسه كل مبرر ليجعلك أكثر بؤسًا وكآبة، ليس فقط ليكره الناس حكامهم، بل ليكفروا بأوطانهم فإن سقطت كانت الشعوب أول من يخسر، تلك هى العداوة الواضحة التى نفهم معناها ونعرف أهدافها، أما الذى لا نعرف له تبريرًا ولا مقصدًا هم أولئك الذين يلمزونك فى منافع السلطة، فإن أعطوا منها رضوا وإن اختلفوا معك اعتبروا مشروعك الجديد "مجرد تفريعة".
أى نوع من الشرف يبتغيه سليمان الحكيم حينما يتخذ مرضى السرطان ذريعة ليداعب عواطف الناس حين يتحدث عما اعتبره "بذخ" فى يوم الافتتاح كان يكفيه أن يسأل أحد الذين ذهبوا إلى هناك ليعرف كيف كان الوضع وكيف كانت التكلفة، بشكل خيب كثيرًا من التوقعات التى تنبأت بأن النظام المصرى سيصنع كل ضجة يستطيعها ليؤكد للعالم أنه انتصر على الإرهاب وثبت أركانه فى حكم مصر، وبدأ ينجز مشروعات ذات طابع اقتصادى. الحقيقة أن الكاتب يتغافل عن قوة هذا المبرر وجموح تلك التوقعات، وربما ارتبك قليلاً فلم يذكر بالمرة أحقية سكان العشوائيات والغارمين وسكان الشوارع وباقى تلك الفئات فى نصيبهم من أموال الحفل "الباذخ" متجاهلاً أن أى حكومة عاقلة لن تنتظر حفلاً مثل هذا لتنفق أمواله على من فى رقبتها من هذه الفئات، حتى سليمان الحكيم نفسه يعرف أن تلك الأمور لا تدار بهذه البساطة، بينما نحن لا ندرى أى ضغوط نفسية يتعرض لها هو لكى ينسف إنجازًا مصريًا خالصًا حتى وإن اختلفنا على استغلال النظام له سياسيًا.
لا يقف هذا التناقض فى المواقف عند الكاتب نفسه، ففى أيامنا هذه لا تستطيع أن تفصل بين الكاتب وجريدته والصحيفة الغراء "المصرى اليوم" لا تبدو متماسكة كما كانت من قبل، يبدو أن أحدهم فقد السيطرة أو أنها تواجه ارتباكًا فكريًا يؤثر على مسارها التحريرى أو "تلعب على الحبلين" بما تعنيه لغة الحواة، ففى نسختها الورقية تبدو مؤيدة بشدة للخطوات التى تم إنجازها فى مصر، بينما تحتار فى الحكم على الموقع الإلكترونى لنفس الجريدة، فسياسته التحريرية غير واضحة ومسارات النشر تبدو غير منضبطة فى كثير من الأحيان، فتبدو المؤسسة وكأنها تبحث عن نجاح النسخة الورقية مع بقاء النظام الحالى، وتضمن البقاء للموقع إذا ما هبت الريح من اتجاه آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة