ليس من باب المصادفة أن يقرر الكونجرس الأمريكى عقد جلسة التصويت على إجازة الاتفاق النووى المبرم بين إيران والسداسية الدولية فى يوم يوافق ذكرى الحدث الأكثر دراماتيكية فى القرن الحادى والعشرين والمتمثل فى تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر 2011م.
فمعنى ذلك أن الكتلة الجمهورية ذات الأكثرية فى مجلس النواب، والتى تعارض ـ بأشكال متعددة ـ التصديق على الاتفاق الذى تم التوصل إليه صباح الأربعاء 14 يوليو 2015 فى فيينا، حددت هذا التوقيت بهدف الإشارة الرمزية إلى أن الاتفاق يمثل كارثة على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية لا تقل عن كارثة أحداث سبتمبر، وهى خطوة لا يمكن تخطى دلالاتها من جانب الرافضين والمناوئين للاتفاق تجاه رغبتهم فى التأثير على الرأى العام الأمريكى وإبراز الرئيس باراك أوباما فى صورة الرئيس الفاشل.
هذه الرمزية يمكن بسهولة قراءتها من بين السطور إذا طالعنا المراكز المعنية بصنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى سبيل المثال وجه عدد من المختصين بتقديم توصيات إلى الإدارة الأمريكية رسائل ضمنية تحمل الأفكار ذاتها، وطالبوا فى مقابل ذلك بتزويد إسرائيل بقنبلة "العتاد الخارق الضخم"، وهى قنبلة يمكنها دكّ الجبال ويبلغ وزنها نحو 13600 كيلو جرام، أى أنها قادرة على إلحاق الضرر بمنشأة فوردو النووية الإيرانية الواقعة أسفل منحدر جبلى والتى يستحيل استهدافها بالوسائل الحربية التقليدية.
ومع أن هناك أصواتا بارزة فى الحياة السياسية الأمريكية تناهض التصويت لصالح الاتفاق (ديك تشينى) إلا أن هناك عددا آخر أكثر زخما من الفاعلين فى دوائر صنع القرار الأمريكية يدعمون التصويت لصالح الاتفاق (هيلارى كلينتون) وهو ما يشير إلا أن السياسيين الأمريكيين ليسوا على منهج واحد فى التعامل الأمثل مع الاتفاق.
تقدير الموقف يشير إلى حتمية تصديق الكونجرس على الاتفاق النووى لحماية أمريكا نفسها من العزلة المحتملة فى حالة عدم إقراره؛ ولذلك فقد حسم هارى ريد السيناتور الأمريكى وزعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ الأمريكى أمره وقرر إقرار الاتفاق، حتى قبل أن يتوصل الرئيس باراك أوباما إلى تشكيل كتلة مانعة فى الكونجرس مكونة من 41 سيناتوراً ديموقراطياً مؤيدا للاتفاق، وما يستتبعه من اللجوء إلى مناورة فيليبوسترز Filibusters (تعمد إلقاء الخطب المطولة فى البرلمان للحيلولة دون تمرير قانون ما أو عدم تمريره) تسمح له بإقرار الاتفاق النووى مع إيران من دون الحاجة إلى استخدام الفيتو فى مواجهة الغالبية الجمهورية.
على كل حال يشير اجتماع الكونجرس بشأن حسم الجدل حول الاتفاق النووى فى الذكرى الرابعة عشر لأحداث سبتمبر، إلى عدد من الاعتبارات والدلالات أهمهما فشل الكتلة الجمهورية فى عرقلة سيرورة الاتفاق، فضلا عن أن عددا وافرا من "الشيوخ الأمريكان" رأوا أن الحشد الذى حاول نتنياهو من خلاله تعويق الاتفاق، لم يقدم بديلا عن الاتفاق، وبالتالى فإن عدم تمرير الاتفاق لن يعنى اتفاقا أفضل بل يعنى لا اتفاق من الأساس، والعودة إلى المربع رقم صفر فى المحادثات مع إيران.
كما أن الكونجرس فطن إلى أن عدم تمرير الاتفاق سيخرج إيران أمام العالم فى صورة الدولة الممدودة يدها بالسلام فى مقابل أمريكا التى تقوض كل مساعى التسوية السياسية ـ الدبلوماسية فى أزمات إقليم الشرق الأوسط، وسيجبر واشنطن تحمل الأضرار السياسية والإستراتيجية من تداعيات هذا الأمر.
محمد محسن أبو النور
ماذا يعنى التصديق على الاتفاق النووى فى ذكرى 11 سبتمبر؟!
الخميس، 10 سبتمبر 2015 08:00 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة