الإعلام يخسر بيده لا بيد الدولة.. أهل المهنة فى الصحافة والتليفزيون يشوهون صورته بمعاركهم الصغيرة
أغلب الخطوط بين السلطة وصناع الإعلام، سواء أهل المال أو أهل المهنة، متقاطعة ومتشابكة ومعقدة بين الطرفين.. صراع خفى ومعركة مؤجلة نارها، لحين استقرار الأمر لبعضهم فى معارك أكبر.
الواقع الآن يقول بأن الإعلام يخسر بيده لا بيد الدولة، أهل المهنة فى الصحافة والتليفزيون يشوهون صورته بمعاركهم الصغيرة، وبأخطائهم الكبيرة، بعضهم حوّل برامجه إلى ساحات للردح والابتزاز والشتائم، والبعض الآخر جعل منها أرضًا للخرافات، ونشر الجهل والأساطير، بينما أهل الصحف والكتابة تركوا أنفسهم فريسة لمواقع التواصل الاجتماعى تأكل هيبتهم بالمعلومات المغلوطة، وتسوقهم خلفها بالشائعات.
الإعلام انهزم بلا شك دون أن تضرب عليه الدولة طلقة واحدة، تطوع أهله فأهانوه حينما لم يفرقوا بين دعم الوطن والتهليل للدولة، ولكن الثمن هنا لن يدفعه الإعلام بمفرده.. ثقة الناس فى وسائل الإعلام جزء من ثقتها فى الدولة، الوطن يحتاج إلى حماية فى معاركه الكبيرة ضد الفساد والإرهاب والمخططات الإقليمية القائمة على التفكيك وتدمير الجيوش، وإعلام مصر الآن لم يعد حصنًا منيعًا، وكيف يكون كذلك وأهل مصر أنفسهم لا يصدقونه؟، وكيف يقوم بهذا الدور وهو مشغول أصلًا بالمجلس الأعلى لدول العالم، وهرتلات توفيق عكاشة، وطبلة أهل النفاق وتقديم السبت والأحد فى دولة بات واضحًا أنها لن تمنح أحدًا «أربعاء» أو «خميس».
للأسف الدولة الآن مطالبة أكثر من أى وقت مضى بإدراك أعمق لواقع الإعلام قبل أن تدفع هى ثمن انهياره، فلا هى وجدت من رجال المال والإعلام دعمًا وطنيًا، ولا وجدت من الداعمين، أهل الطبلة والتهليل، أداء يرقى لحمايتها، بل على العكس وجدت منهم أفخاخًا تصنع لها الكثير من المشاكل والجدل الذى يشغل الناس عما هو مفيد.
تصريح رئيس الوزراء إبراهيم محلب الأخير فى تونس حول أن مصر لا تملك رفاهية النقد أو الاختلاف، وكأنه يؤسس لدولة إعلامها عكاشة وموسى لا يعرف سوى الصوت الواحد، يوحى بأنه رغم كل التقاطعات والخلافات، اتفق الطرفان- الدولة والإعلام- فى لحظة واحدة عن عمد أو سوء وعى، تجلى فى ضرورة تجريف الفضائيات من البرامج السياسية لصالح جرعة أكثر من إعلام التسعينيات، وخلطته المعهودة من أسئلة فضائحية لنجوم فن وبرامج مسابقات، إلى فتح ملفات قضايا تغييب العقل، والجن، والتحول الجنسى، والشذوذ، والمجلس الأعلى للعالم، وصولًا إلى قضايا الخلاف الدينى الكبرى، عذاب القبر، والبخارى ومسلم، وكتب التراث.
الدولة ممثلة فى محلب أو غيره من المؤسسات يجب أن تنتفض ضد هذه الفكرة السابقة، فليس فى صالحها أن تدفع ثمن أخطاء الإعلام، خصوصًا أن إبداء تلك الرغبة الحكومية من محلب يأتى متزامنًا مع رغبة صناع الإعلام فى تعويض خسائرهم تحت مظلة اعتقاد وهمى وجاهل بأن المشاهد لا يريد إعلامًا جادًا، أو حديثًا فى السياسة، بدلًا من إقرار الحقيقة القائلة بأن المشاهد لا يريد سياسة وإعلامًا على طريقتهم فى التلون والصراخ كما قدموه فى سنوات ما بعد الثورة.
التواطؤ مع هذا الاتجاه الذى يروج له صناع الإعلام فى مصر الآن للتغطية على خسائرهم أو فشلهم فى الاستحواذ على ثقة الناس بمحتوى جاد ومهنى وموضوعى، تحت سحب الظن والتوهم بأن الصوت الواحد، أو تقليص عدد ساعات البرامج السياسية الجادة فى الفضائيات، سيقلل بالتبعية مساحات الاحتقان ومطاردة الأخطاء، وتفجير الأزمات، بالكشف عن كوارث الحكومة ومؤسسات الدولة، لن يؤدى بنا سوى إلى فراغ يصنع كارثة.
التوجه الذى يتبناه البعض الآن لا يختلف أبدًا عن ظن وتوهم نظام مبارك فى منتصف التسعينيات، بأن تضييق مساحات الإعلام الجاد لصالح نشرات الأخبار المكتوبة بملل، وفتح الساحة الفضائية للشخصيات المثيرة للجدل بشتائمها، أو لبرامج السهر وأسئلة فضائح الفنانين سيكفل لها شغل الناس عن أدائها الكارثى، فكانت النتيجة فراغًا إعلاميًا شاسعًا لم يجد المشاهد المصرى من يملؤه سوى قناة الجزيرة، وفى مرحلة لاحقة المحتوى المقروء والمسموع والمرئى على الإنترنت الذى أنفق عليه الإخوان ملايين حتى وصل بهم إلى 88 مقعدًا برلمانيًا فى 2005، وكاد أن يصل بهم إلى رقم مماثل فى 2010، ثم وصل بهم إلى السلطة فى 2012، والأهم من ذلك أنه منح عقل المصريين هدية لقناة الجزيرة فى ظل تراجع دور الدولة عن تقديم إعلام جاد ونقاش سياسى محترم، وتقييد القنوات الخاصة عن تقديم محتوى مماثل لما تقدمه «الجزيرة».
المشهد نفسه يعاد تمثيله الآن على مسرح عام 2015 كمخرج يحفره بعض رجال الأعمال وصناع الإعلام للتغطية على خسائرهم وأدائهم المرتبك، ولكنهم فى الوقت نفسه يسعون لجرجرة الدولة لمشاركتهم فى الخسائر أسفل مظلة شعارات واهية بأنهم يفعلون ذلك لمصلحة الوطن، أو بسبب تعرضهم لضغوط.
ملخص الأمر يا من تسكنون أجهزة الدولة أو مكاتب حملة أسهم المحطات الفضائية: لا تبيعوا عقول المواطنين للأعداء، لكن امنحوا عقولكم فرصة للتفكير فى خوض معركة حرية الإعلام من جانب، وتطوير محتواه ليرتقى بوطن يريد أن يمضى قُدمًا للمستقبل من جانب آخر.
محمد الدسوقى رشدى
قبل سقوط الدولة فى فخ الشعارات و«الخزعبلات» الإعلامية
الجمعة، 11 سبتمبر 2015 10:02 ص
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة