هناك عبارات نمت وترعرعت خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهذه العبارات كانت كلاشيهات تم استخدامها عمّال على بطّال من دون وعى، وبطريقة التابع والمتبوع حتى فقدت معناها، وتأثيرها وأصبحت من الفلكلور، ومنها السؤال الدائم: ينفع يحصل كذا بعد ثورتين؟ وهو تعبير يطلقه البعض استنكارا، لكن الحقيقة أن نفس هؤلاء الذين يسألون هم من يجعلون حدوث وتكرار المشهد موجودا وقابلا للتكرار.
السياسة فن الممكن وليست مجرد كلام أو تصريحات بلا فعل، وليست اعتراضا وإبداء مخاوف ورفض من دون بدائل، أربع سنوات وأكثر يعلن السياسيون والنشطاء ما لا يريدون، هم لا يريدون فلول الوطنى والإخوان.. لا يريدون منافسة.. لا يريدون النظام الفردى للانتخابات.. لا يريدون قوائم تامة ولا يريدون تحالفات.. يعرفون ما لا يريدون ولم يبذلوا جهدا ليقولوا ويحددوا ماذا يريدون، وما هى بدائلهم لما هو قائم أو مرفوض، وما هى أولوياتهم.
الأحزاب القائمة تتفرغ للخلافات والصراعات التى تتم على تركة غير موجودة، وكنا نعتقد أنه خلال أربع سنوات تعلمت الأحزاب كيف يمكنها أن تقترب من الجمهور وتنشر الوعى السياسى وتدرب كوادر على خوض الانتخابات أو مواجهة المشكلات وكيفية مناقشتها.
ما رأيناه أن الأحزاب تفرغت للاستعراض وتركت الشارع وما زالت تشكو، وتعلن خوفها ومخاوفها من كل شىء، حتى إنهم نسوا أن يمارسوا السياسة.
وكلما جاء أوان الانتخابات أعلنوا نيتهم فى الانسحاب، ويمكن تقبل فكرة الانسحاب، لو كان موقفا تكتيكيا أو إستراتيجيا، أو تكون هذه الأحزاب سبق لها أن خاضت الانتخابات وتعرفت على ضرورات العمل السياسى، لكنها تتخذ مجرد موقف «توك شو» يستهدف مخاطبة جمهور مواقع التواصل أو البحث عن تصفيق مجانى. الحقيقة أن الأحزاب لا تعرف استراتيجية أو تكتيكا، وإنما تعرف انسحابا دائما فى كل موقف، وبسبب هذه المواقف المائعة، والسلبية المحبطة، انصرف الجمهور عن هذه الأحزاب وأصبح يتعامل معها على أنها غير مؤهلة، بل إن مواقف هذه الأحزاب هى التى منحت من يمكن تسميتهم بالفلول استعادة لياقتهم والعودة إلى أماكن أخلتها الأحزاب بكل أريحية ولا يحتاج المغضوب عليهم سابقا للكثير من الجهد حتى يستعيدوا مواقع انسحب منها الأشاوس إلى عالم من الخيال والتوك شو، ثم يسألون: «هل يمكن أن يحدث هذا بعد ثورتين؟» وهم من يردون على أنفسهم: «آه ينفع» بفضل انسحابكم الدائم بلا استراتيجية ولا تكتيك.