هناك حروب مصالح كثيرة تدار فى مصر بعضها معلن وأغلبها غير معلن، لكنها جميعا ترفع شعارات «حنجورية» لا معنى لها أو تدعى الوطنية أو الدفاع عن الإسلام أو الحرص على الأخلاق العامة.
حرب الإخوان على الوطن تدعى الدفاع عن الشرعية والإسلام، رجال أعمال يتهربون من الضرائب ويخالفون القانون ومع ذلك يدعون حب مصر وتشجيع الصناعة الوطنية، حرب الجزارين على المستهلكين تدعى ارتفاع أسعار العلف وتراجع دعم الدولة للفلاحين. الحرب على حرية الإعلام تدعى محاربة الإرهاب.
حروب ومصالح وشعارات كثيرة، سأتحدث اليوم عن حرب واحدة فقط، هى حروب النخب الطاعنة فى السن على الشباب، وهى بالمناسبة حرب غير معلنة تشبه تماما ما يعرف بالجيل الرابع من الحروب إلا أنها تنتمى لحروب الجيل الخامس، فهى تدار فى داخل البلاد ومن أبناء الوطن ضد الشباب «مستقبل الوطن».. والتفاصيل كثيرة.. مثلا قيادات أغلب الأحزاب فوق السبعين ومن يقود كثير من مؤسسات الدولة فوق الستين أو يقتربون من سن المعاش، ومع ذلك كلهم يمدحون الشباب ودوره فى 25 يناير و30 يونيو، ويتحدثون عن ضرورة تمكينه من القيادة، ومع ذلك لم نرَ شابا فى الثلاثينيات يقود مؤسسة كبيرة سواء حكومية أو خاصة علما بأن عبد الناصر وجيله قاموا بالثورة وقادوا مصر والأمة العربية وهم فى الثلاثينيات، سمعنا وقرأنا كثيرا عن اختيار شباب للعمل كنواب للوزراء ومستشارين.. لم ينفذ شىء حتى الآن أو يكتب لبعض التجارب الاستمرار، والحجة جاهزة الشباب المصرى هو كل المستقبل وسيأخذ دوره لكن تنقصه الخبرة.
محاربة الشباب بنقص الخبرة قضية حق يراد بها باطل، لأن الخبرة يمكن أن تكتسب فى أشهر قليلة من خلال الدراسة العلمية والتدريب المكثف، وليس شرطا أن تكتسب من خلال العمل البيروقراطى لعشرين أو ثلاثين سنة، والقائم على «حاضر يا أفندم.. وتحت أمرك سيادتك» وإلا كانت خبرة فى البيروقراطية الفاشلة، ومن وجهة نظرى فإن خبرات القيادات الحالية الطاعنة فى السن متواضعة للغاية لأنها ناتجة عن الأداء البيروقراطى العقيم والتفكير والعمل من داخل الصندوق، وأتصور أن مصلحة الوطن تفرض على الشباب أن لا يلتزموا فى عملهم بهذه الخبرات التى قادت البلد للفشل، وأقترح أن يدرس الشباب هذه الخبرات ويتمردوا على كثير منها، وإذا وجدوا بعض النماذج الناجحة بين النخب الحالية فمن الممكن الاستعانة بهم كمستشارين.
رسالتى لن نصلح أجهزة الدولة إلا بالشباب، ولدينا أقلية من الشباب متعلمة تعليما متميزا وقادرة على نقل وتعلم الخبرات بسرعة، صحيح أنها أقلية بين شباب مصر لكنها كافية لقيادة سفينة الوطن وفى كل المجالات، إذا ما منحت الفرصة والتشجيع وأوقفنا عمليات تهميشها وإبعادها.
ولن نصلح أداء الدولة إلا بالتمرد على القديم وتصحيحه، ولا شك أن الشباب أمامه خبرات محلية ودولية تحفل بقصص النجاح والإنجاز وعليه أن يتعلم منها، والتعلم ونقل الخبرات أصبحت عملية سهلة وليست اختراعا أو سرا كهنوتيا لا يمكن الحصول عليها.
لدينا شباب فى الثلاثينيات يشارك فى قيادة مؤسسات دولية عملاقة، ومؤسسات ناجحة فى دول الخليج، وأعرف بعضهم شخصيا، ولديهم رغبة فى العودة للوطن ونقل خبراتهم، طبعا بشرط منحهم الحق فى التغيير والعمل الجاد بدون معوقات علاوة على منحهم مرتبات مجزية ستكون بلاشك أقل من رواتبهم الحالية فى الخارج، لكن على الأقل تضمن لهم حياة كريمة فى الوطن. ولدينا شباب داخل مصر عنده نفس الرغبة فى العطاء وبعضهم يعمل فى مؤسسات دولية أو شركات القطاع الخاص لكنه يريد أن يساهم فى إصلاح أجهزة الدولة، لأنه لا مستقبل له أو لأولاده فى ظل استمرار الأداء البيروقراطى والفاسد لأغلب مؤسسات الدولة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة