«محمد» مر بمجموعة من التحولات دفعته إلى أن يترك تدريس اللغتين العربية والإنجليزية فى موسكو، وأن يلجأ إلى ما يظنه الحلال الخالص، تجارة العطور، وأفضل ما يعجبه فى روسيا عدم وجود أمن دولة يطارده لأنه أطلق لحيته أو لأنه يجاهر بآرائه السياسية الإخوانية، وعندما سألته لماذا لا تترك هذا المجتمع الذى تكرهه وتعود بأسرتك إلى بلدك؟ أجابنى بكلمة واحدة قاطعة: ما أقدرش.
هذا العجز لدى «محمد»، بالإضافة إلى فشله فى استيعاب الحريات المكفولة بالقانون، والثقافة القائمة على التعددية واحتواء الأعراق المختلفة، وراء التحولات التى مر بها، وأوصلته إلى خيار التقوقع والاحتماء خلف ما تربى عليه من مبادئ الإخوان.
حالة الإنكار والكراهية للمجتمع التى يمثلها نموذج «محمد» البنى سويفى فى موسكو ليست الفريدة والوحيدة هناك، فعندما يستسلم الشاب المهاجر للظروف المفروضة عليه، بعيدا عن اختياراته الحقيقية، لابد أن يصل للتطرف، وينتهى إلى الاحتماء بما يظنه طوق النجاة فى مواجهة المجتمع الذى يعيش فيه مكرها، وما يحتمى به محمد وأشباهه هو تصورات لا يمكن أن تصل به إلى نجاح من أى نوع وسينتهى إلى البكاء المستمر على حاله والعزلة.
عندما سألت محمد عن نصيحة يوجهها للشباب المصرى المتطلع للمجىء إلى روسيا، أجابنى بكلمة واحدة أيضا: «ما يجوش»، فضحكت وسألته ليه؟ فكانت إجابته من أغرب ما يمكن: «الست من اللى أنت شايفهم دول بعد ما تخلص شبابها فى المسخرة تروح مصر تجيب لها عيل صغير وتيجى بيه لغاية ما تحمل منه وبعدين ترميه»، وعندها أدركت أن مفيش أمل من مواصلة الحوار معه وودعته، ربنا معاك يا محمد، خلى بالك من نفسك
والتفت هو إلى زبون يسأل عن نوع من العطور الرخيصة التى يبيعها.
وللحديث بقية.
موضوعات متعلقة:
أيام فى روسيا"1"- طباخ صدام حسين
أيام فى روسيا «2».. يهود وصينيون وأتراك
أيام فى روسيا «3».. لاجئون مصريون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة