لا أستطيع أن ألوم المعتذرين عن الوزارة، أو اتهامهم بالتهرب من المسؤولية وقت احتياج البلاد لخبراتهم، معهم كل الحق والاحترام والتقدير، فقد أصبح منصب «وزير» مهنة خطرة، ويحتاج مقاتلين من نوع خاص، ولديهم القدرة على الصبر والتحمل والجلد، وقبول أشغال المنصب الشاقة بالنهار، وهجوم «التوك شو» بالليل، ومواجهة رأى عام لا يعجبه العجب ولا صيام رجب، وبعد سنوات قد تطول أو تقصر من الجهد والألم، تكون غاية الوزير هى الخروج الآمن من منصبه، دون تشكيك وتشويه ومحاكم وبهدلة، ففى السنوات الأخيرة فقد المنصب رونقه وبريقه، ولم يعد مغريا أو جاذبا لكثير من الشخصيات الناجحة، وهذا ليس عيبا، فأهم شروط الوزير الناجح الاستعداد النفسى، والقدرة على مواجهة تحديات صعبة.
الوزير الذى يريد أن ينجح يواجه مشكلتين: القوانين واللوائح والإجراءات الحكومية التى عفا عليها الزمن، وتعقد المشاكل وتشابكها وتراكمها منذ سنوات طويلة، فإذا أراد المواجهة يصطدم بالقيود، وإذا سيّر الأعمال وفقا للمتاح، تحول إلى موظف عتيق، يده مرتعشة وينفخ فى الزبادى، وإذا استعان بأهل الثقة خاصمه أهل الخبرة، وإذا أحل أهل الخبرة، تربص به أهل الثقة، وقد ينجح أو يفشل فى تطبيع العلاقات بين الطرفين، ولكنه فى النهاية مُطالب بتشكيل فريق من المساعدين، يغلبون المصلحة العامة على الاعتبارات الشخصية، ويتنازلون عن الأنانية والنفاق، وغيرها من أمراض الجهاز الإدارى المتوارثة، من أيام محمد على باشا.
والحل لا يكون فرديًّا على مستوى كل وزير على حدة، بل بالعمل بروح الفريق على مستوى الحكومة كلها، بالتناغم والانسجام والعزف الجماعى، وأن يكون رئيس الوزراء قائدًا للأوركسترا، ينظم العزف ويمنع النشاز، ويلتزم بالنوتة التى هى برنامج الحكومة الذى جاءت من أجله، فمشروعات التنمية- مثلا- تخص مجموعة وزارات وليس وزارة واحدة، ويجب أن تكون على قلب رجل واحد، وليست مناطق منعزلة، ومكافحة الفساد لا تكون بجهد فردى، وإنما باستراتيجية حكومية شاملة وواضحة ومحددة، ينفذها الجميع فى إطار المسؤولية التضامنية للوزارة كلها.. يعنى المسؤولية شاقة ومضنية، وتحتاج مقاتلين وليس مشتاقين.