طالما نتحدث عن المسافة بين التنظير والممارسة فى السياسة، نحن بحاجة للبحث عن إجابات لأسئلة مطروحة طوال 4 سنوات ونصف بلا إجابات حقيقية. وحتى بما طرحناه حول أن السنوات الأخيرة لحكم مبارك والحزب الوطنى شهدت حراكا سياسيا، كان أغلبه خارج الأحزاب مثل الحركة المصرية للتغيير «كفاية»، والجمعية الوطنية للتغيير.
كان المتوقع أن تتقدم هذه الحركات السياسية الصفوف ويكون لديها طرح سياسى. لكن ما جرى أن هذه التيارات تاهت وغرقت فى التفاصيل وتوقف عند كونها رد فعل، تنتظر قرارا أو تحركا لتتحرك معه أو ضده. لكنها بقيت فى سياق المعارضة ولم تطرح نفسها كبديل خاصة بعد فراغ تركه الحزب الوطنى، سعى الإخوان لملئه، واستغلوا فى ذلك انشغال الأحزاب والسياسيين بالتفاصيل. كما انشغلت الائتلافات والزعامات الشبابية بالسير خلف الإخوان الذين قادوهم إلى طرق فرعية بينما بقوا هم فى صف المجلس العسكرى. وهو ما تكشفه شهادات متواصلة.
ونعود هنا إلى الشخصيات التى التحقت بالسياسة وساهمت فى خلق نوع من الجاذبية للحركات الاحتجاجية، ومنها على سبيل المثال الدكتور محمد أبو الغار وعبدالوهاب المسيرى. بل والدكتور البرادعى بعد ذلك، وهى شخصيات كان لديها اكتفاء مهنى ومادى.
وبالرغم من القيمة المعنوية التى مثلها هؤلاء، فقد كان انضمامهم مشجعا وجاذبا، لشباب وتيارات جامعية ونقابية ناشطة. وكل هذه المعطيات كانت تبشر بأن هناك تيارات سياسية يمكنها ملء فراغ الشارع وخلق جدل ومناقشات حول المستقبل، لكنهم انشغلوا بالتفاصيل. وكانت هناك مفارقة من أن هؤلاء يريدون السياسة ويخشون من تلويث أيديهم بترابها. ومعروف أن الممارسة السياسية أقرب للتفاوض، حيث لا يمكن لتيار أن يحصل على كل المكاسب من دون غيره من التيارات.
وما جرى أنه حتى الأحزاب التى كانت هناك شجاعة لطرحها، ظلت تعانى من العزلة، وتعجز عن بناء كيانات حزبية مؤثرة. وغرقت بعضها فى الخلافات غير المفهومة، ومنها حزب الدستور. وبدرجة ما الحزب المصرى الديمقراطى، الذى يرأسه الدكتور محمد أبو الغار ويمثل اليسار الديمقراطى. ومؤخرا واجه أزمة وأعلن أبو الغار استقالته، بسبب عدم الالتزام بمطالبه داخل الحزب. وتراجع عن استقالته.
ومن المهم تدعيم وجود أمثال أبو الغار فى السياسة، لأن وجود شخصيات مكتملة مهنيا وماديا من شأنه أن يشجع على التعامل مع السياسة، على العكس من أرجوزات أو مغامرين، يحتلون الصورة ويستغلون ابتعاد وانعزال الأحزاب.
وبالتالى فإن انتقاد الأحزاب التى تنسحب بلا أفق وتراهن على هزيمة أو إبعاد خصومها، وليس السعى للفوز بمقاعد وحصص، خاصة مع غياب الحزب والتحالف الذى يمكنه ملء الفراغ. حتى لا يبقى هناك سياسيون أقوياء فى أحزاب ضعيفة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة