دروس التاريخ تقول إن مصر لا تكون قوية، إلا إذا كان رئيسها قويا بحجم قامتها وهامتها، ولا ينفع معها رئيس ضعيف، تتلاعب به أحزاب الأقلية والقوى والتيارات السياسية، وتعرقل عزيمته ورغبته القوية لسباق الزمن، واللحاق بقطار التنمية والتقدم، واستعادة مكانة البلاد التى تستحقها، ولهذا أضفت الدساتير السابقة على المنصب الرئاسى، سلطات كبيرة وواسعة، تمنحه الهيبة والوقار والاحترام، ليس بهدف خلق فرعون أو ديكتاتور، فقد مضت تلك الموروثات القديمة إلى غير رجعة، ولن يحكم مصر رئيس إلى الأبد، وإنما للحفاظ على هيبة الدولة واحترامها، وقدرتها على مواجهة المتربصين بها فى الخارج والداخل، والتاريخ يؤكد – أيضا – أن أسوأ فترات الضعف والانهيار عندما يكون الرئيس ضعيفًا ومهتزًا، ولنا فى فترة حكم المعزول العبرة والعظة، بعد أن كاد يفكك وطنا ويشتت شعبا.
مصر تكون قوية ومتعافية، وممتدة الدور والنفوذ، عندما يكون رئيسها قويًا، تدعمه قاعدة سياسية وشعبية كبيرة، ويأتى إلى الحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة، فرئيس مصر أيا كان اسمه أو شخصه، هو الذى يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة أى خطر يواجه البلاد، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، وهو الذى يعين رئيس الوزراء ويعفيه من منصبه بعد العودة إلى البرلمان، ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين، ويعزلهم على الوجه المبين فى القانون، ويمثل الدولة أمام رؤساء وملوك وحكام الدول الأخرى، ويعلن حالة الحرب وإجراءات الطوارئ على الوجه المبين فى الدستور والقانون، وصلاحياته ليست بدعة فى النظام «الرئاسى»، ومتعارف عليه فى أكثر الدول ديمقراطية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وكل بلد يختار النظام الذى يتواءم مع ظروفه وطبيعة شعبه والتجارب السياسية والتاريخية التى مر بها.
مصر دولة كبيرة وتقع فى منطقة تموج بالقلاقل والأحداث والمؤامرات، وتخوض حربا شرسة ضد الإرهاب، ولا ينفع معها سوى رئيس قوى يعبر بها إلى بر الأمان ولا يفعل إلا ما يحقق مصالحها، وتجربة البلاد مع الدساتير الشبيهة بالدستور الحالى، قبل ثورة يوليو 1952 ملخصها: ملك ضعيف وحكومات هزيلة وأحزاب متصارعة، فى ظل نظام ديمقراطى لا يستطيع أن يحمى نفسه، فانهار وجرفته الثورة.. وإذا استلهمنا الدروس والعبر، فليس بالدساتير وحدها تحيا الشعوب.