(افتح قلبك مع د. هبه يس).. المعدن الرخيص

الأربعاء، 02 سبتمبر 2015 02:00 م
(افتح قلبك مع د. هبه يس).. المعدن الرخيص د. هبه يس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا سيدة فى بداية الأربعينات، زوجة وأم، وأعمل فى وظيفة حكومية، وزوجى كذلك، لهذا فنحن نعيش فى منطقة شعبية ذات مستوى اقتصادى واجتماعى بسيط، لكن كثيرًا من سكانها محترمون وطيبون بالرغم من قلة إمكانياتهم المادية.

منذ 4 سنوات انتقلت أسرة جديدة للعيش فى حينا، أسرة مكونة من أب وأم وطفلين، لكنهم كانوا مختلفين جميعًا، فى ملبسهم وطريقة كلامهم وحتى رائحة طبيخهم... كان واضحًا جدًا أن مستواهم أعلى من كل سكان المنطقة، لهذا خاف الجميع من التقرب منهم، كذلك أنا، فضلت البقاء بعيدا بدلا من التعرض للرفض أو الإحراج، بالرغم من أنهم كانوا فى الشقة المقابلة لشقتى تماما... حتى جاء يوم وفوجئت بهذه الساكنة الجديدة تدق بابى وتتعرف على، وتطلب منى المساعدة فى التعرف على المنطقة، فكانت بداية تعارفنا.

حكت لى أنهم كانوا يسكنون فى شقتهم التمليك فى منطقة راقية، لكنهم اضطروا لبيعها هى وسيارتهم لسداد قرض من البنك بعد خسارة كبيرة تعرض لها زوجها فى عمله الخاص، وعرفت بعد ذلك أن زوجها كان قد خسر كل شىء تقريبا فى تلك الصفقة الأخيرة، مما اضطره إلى تسريح الموظفين فى مكتبه، والبقاء بلا عمل.

كانت لطيفة وراقية فعلا فى كل شىء، لكنها كانت حزينة ومكسورة ومكتئبة دائما بسبب الضيق المادى الشديد الذى أصبحوا فيه، فزوجها ظل لا يعمل لمدة 3 سنوات تقريبا من بعد هذه المشكلة التى تعرض لها...

إلا أننا أصبحنا قريبتين جدًا فى هذه السنوات الثلاث، فقد اعتبرتها أختى بمعنى الكلمة، وكنت فرحة وفخورة لأنها أصبحت صديقتى أنا من دون كل سيدات الحى، كنت لا أطبخ شيئا إلا وأرسل لها منه طبقا، لم أكن أشترى لأولادى حلوى إلا وأحضر لأولادها مثلها، لدرجة أننا أصبحنا نتبادل الملابس، ولكنى لم أكن أعطيها غير ملابسى الجديدة طبعا، حتى أنى أذكر أنى كنت أعطيها لها تلبسها هى أولا قبلى... صدقينى أنا لا أذكر ذلك على سبيل المن أو التفضل، ربى يعلم أن شخصيتى أبعد ما تكون عن ذلك، فأنا بطبيعتى أفرح جدا عندما يفرح من حولى، ولا أندم أبدا على شىء أعطيته للغير.

تطورت علاقتنا لدرجة أنها أصبحت تؤرق زوجى جدا، وتضايق أمى، ويغار منها أولادى، لأنها كانت وبكل صراحة تستحوذ على كل تفكيرى... ماذا سأطهو لها؟، أين سنذهب معا؟، ماذا سأحضر لها فى عيد ميلادها؟، الأمر الذى كان يستنفذ كل مرتبى تقريبا، فلن تصدقى أنى ذات يوم قررت أن أشترى لها بآخر 20 جنيها فى جيبى وردا حتى أخرجها من نوبة من نوبات الاكتئاب التى كانت تعصف بها كل حين.

وعندما تمكنت من تفكيرى تماما أصبحت- وبكل أسف- أخالف زوجى وأذهب لها وأخرج معها بدون علمه، لأنه أصبح يطلب منى صراحة قطع علاقتى بها، لأنه كان يقول إنها وكأنها (سحرانى) بحيث لم أعد أهتم بأحد بقدر اهتمامى بها، ولأنها كانت تعرف كل شىء عنى وعن زوجى وعن بيتنا بأدق التفاصيل، ولن أنكر ذلك، فقد كانت فعلا أحب انسانة إلى قلبى طوال هذه السنوات الثلاث، ولم أكن أخفى عنها شيئا قط.

إلى أن جاء يوم منذ حوالى سنة فوجئت فيه بزوجها يخرج من البيت ومعه شنطة سفر، وعندما سألته ردت هى على بسرعة قائلة إنه مسافر ليبحث عن عمل فى (شرم الشيخ)، فتعجبت لكنى لم أتوقف عند هذا الأمر كثيرا، بل وازددت اهتماما بها هى وأولادها، فقد أصبحت وحيدة أيضا بالإضافة إلى كل ما تعانيه من مشاكل، إلا أنى لاحظت أنها بدأت تبتعد عنى تدريجيا خلال هذه السنة، فلم تعد تسمح لى بدخول بيتها فى أى وقت كما كانت تدخل بيتى فى أى وقت، ولم تعد تسمح لأولادها بالنزول للعب مع أولادى أمام العمارة كما اعتادوا دائما، بل ولاحظت أنها تتعمد الخروج والدخول من بيتها خلسة لأنها لا تريدنى أن أرى ما تحمله من مشتروات وما شابه، بعدما كانت تأخذنى معها فى كل مكان لأعرفها على المحلات وأصحابها، وحتى (أفاصل) لها معهم.

ثم كانت الصدمة الكبرى حينما عرفت من ابنها قدرا أنهم سيتركون البيت قريبا، فانخلع قلبى صدقا لا مجازا، شعرت بانقباض شديد وجريت أدق بابها حتى أتأكد من صدق الخبر، فإذا بها تقابلنى ببرود شديد، و(من على الباب) وقالت لى إن ما سمعته صحيح فعلا، وأنها تحضر أوراقها هى وأولادها حتى يسافرون لزوجها، والذى اكتشفت أنه سافر للعمل بالخليج وليس بشرم الشيخ كما قالت لى منذ عام تقريبا وصدقتها...

لن تتخيلى حالى ساعتها، فقد تركتها ودخلت بيتى وأنا أرتعش من كثرة الحزن والصدمة، وظللت أبكى حتى الصباح تقريبا، وأنا لا أعرف على ماذا أبكى بالضبط... هل على فراقها؟، أم على سوء معاملتها وبرودها معى؟، أم على خداعها وكذبها على؟...أم على كل هؤلاء، و ما زاد حزنى وهمى كلمات زوجى التى أكملت على، فقد قال لى عندما رآنى فى هذه الحالة أنه كان يعرف أن هذا سيحدث يوما ما، وأنه حذرنى من أنى فتحت لها قلبى وعقلى وبيتى أكثر من اللازم، فى حين أنها كانت تتعامل معى لمصلحتها فقط، وكانت تأخذ منى ما تريد، ولا تعطينى إلا ما تريد أيضا.

ربما ستتهمينى أنت وقراؤك بالسذاجة أو الطفولة عندما تعرفين أنى لم أتمالك نفسى وسقطت مغشيا على فى الوقت الذى كانت تغادر فيه شقتها، لم أستطع منع نفسى من البكاء والانهيار وأنا أراها تخرج حقائبها ومتعلقاتها، كدت أركض عليها لأتوسل إليها حتى لا تتركنى وتسافر، ولكنى لم أشعر بنفسى حينها إلا والدنيا تظلم من حولى وأسقط على الأرض، وعندما أفقت وجدتها قد غادرت بالفعل، ولم تتوقف أمامى وأنا على الأرض كثيرا، بل أكملت ما كانت تفعل، وقالت لابنى (سلم على ماما لما تفوق)!!.

أرسل إليكِ وأنا حزينة كما لم أحزن من قبل، فصحيح أنى أتعلق بأصحابى منذ الصغر، ولكنى لم أحب وأتعلق بأحد كما فعلت معها، لهذا فأنا لا أصدق أنها لم تعد هناك، وأنى لن أراها مرة أخرى بعد كل ما كان بيننا، وما يضاعف حزنى وألمى هو إحساسى بالغدر، فأظل أفكر لماذا فعلت معى هذا؟، لماذا كذبت على وتعمدت إخفاء عمل زوجها عنى مع أنى لم أكن أخفى عنها أدق وأبسط تفاصيل حياتي؟، لماذا تركتنى لأعرف خبر سفرها بالصدفة؟، لماذا لم تكلف نفسها أن تنتظر لدقائق حتى أفيق من الاغماء لتودعنى لآخر مرة؟... لماذا؟... هل أجد عندك إجابة؟.

وإليكِ أقول:


أقدر حجم صدمتك وحيرتك، ولا أخفيكى سرا فقد تأثرت برسالتك جدا، فالأشخاص المتفانون والمخلصون أمثالك يجب أن نتعامل معهم كالجواهر النادرة، لا أن نركلهم بالأقدام كما فعلت صديقتك، ولكن اسمحى لى... أنا أيضا ألوم عليكِ، فأنت بذلت اهتمام أكثر من اللازم فى الاتجاه الخطأ، وهذا هو كل خطأك فى الموضوع، فأنت تحتاجين إلى إعادة توجيه لحبك ومشاعرك، حتى تعيشين حياة نفسية أكثر استقرارا، و حتى تجنبين نفسك صدمات أخرى فى المستقبل.

فلنعتبر أن حياة كل منا دائرة كبيرة جدا، تحتوى على دوائر أصغر، فالعلاقة مع الله دائرة، والعلاقة بالزوج أو الزوجة دائرة، والأبناء دائرة، والوالدين أو الأهل دائرة، والأصدقاء والاجتماعيات دائرة، والعمل أو الدراسة دائرة، والاهتمامات أو الهوايات دائرة... إلخ، يختلف عدد وحجم هذه الدوائر باختلاف مجالات اهتمام كل شخص، وباختلاف أهمية كل مجال لديه، لكن أيا كانت عدد الدوائر التى فى حياتك يجب أن تكونى أنت نفسك مركز الدائرة، بمعنى أن تعيرى نفسك التقدير و الاحترام اللازمين فى البداية و قبل أى شئ آخر، ثم تبدأى بترتيب الدوائر بحسب أهميتها، الأهم فالمهم، فتعطى وتمنحى جهدك ووقتك للدوائر الأهم أولا، فعلاقتك بربك، ثم بأسرتك وأهلك، ثم بعملك، ثم.... وهكذا، حتى لا يأتى عليك اليوم الذى تندمين فيه على ما بذلت من عطاء فى غير موضعه.

لا أقول لك لا تحبين صديقاتك، أو لا تخلصى لهن بصدق، لكنى أقول أن هذا العطاء اللامحدود الذى بذلتيه لتلك الصديقة لم يكن فى محله، وإنما زوجك وأولادك كانوا أولى به، فهم أحق بان تعطيهم بلا مقابل، وأن تضحى وتتعبى لراحتهم كما كنتِ تفعلين مع جارتك تلك، لقد أعطيتى الكثير فى غير موضعه للأسف، و لمن لا يستحقه و لا يقدره، فكنتى كمن سخر مدخراته كلها لشراء بعض الحلوى، فى حين أنه كان يجب أن يشترى بها الأغذية الأساسية،فضلا عن الملبس و المسكن، لكنه لم يفكر قبل أن ينفق، و وضع كل ما لديه فى بعض الكماليات التى لا تستحق.

أما عن سؤالك لماذا تصرفت جارتك معك بهذه الطريقة... فالإجابة ببساطة لأنها تعاملت معك كجزء من مرحلة (كريهة) من حياتها، مرحلة تراجع وانتكاس، مرحلة ألم وحزن واكتئاب كما رأيتى بنفسك، لهذا فقد أرادت التخلص من هذه المرحلة ومن كل شىء يذكرها بها بعد أن بدأت الأمور أخيرا فى التحسن، وهذا إن نم على شىء إنما ينم عن شخصية غير سوية ولا تستحق البكاء عليها، فلو كانت إنسانة تحسن التفكير فعلا لقدرت أن الناس معادن، وأن معدنهم الحقيقى لا يظهر إلا فى أوقات المحن والشدائد، و أنها كان يجب أن تحتفظ بك كأخت وصديقة مدى الحياة، حتى وإن باعدت بينكما المسافات، فمن يحبها ويهتم بها وهى لا تملك شئ لابد وأن يكون شخص أصيل ومعدنه طيب لا يسهل تكراره، ولا يسهل التفريط فيه.

ولكن الناس نوعان، النوع الأول الذى يعتبر (الناس) وعلاقته بهم أولوية فى حد ذاتها، فالبشر ومشاعرهم وعلاقة الود والألفة معهم هى أهم الأشياء بالنسبة له، وأنت من هذا النوع، الذى يخلص ويضحى و يتفانى من أجل من يحب، ومن أجل الحفاظ عليه مهما كانت ظروفه وآلامه والتزاماته وهمومه.

أما النوع الثانى فهو من يعتبر (الأهداف) هى الأولوية، فيتخذ أى شخص وأى شىء وسيلة لتحقيق هدفه، وبمجرد أن يتحقق الهدف وتنتهى المهمة لا يتورع عن التخلص من الأشخاص والأشياء التى ساعدته من قبل، وجارتك من هذا النوع... جدا، فأنت لم تكونى سوى وسيلة للتعايش مع وضعها الجديد، والذى لم تكن تحبه أو تتقبله، لهذا اقتربت منك وقربتك منها، ولم لا وقد كنتِ تخففين عنها، وتحملين معها، وتسهلين عليها حياتها المريرة فى تلك الفترة؟ لكن بمجرد أن تغيرت الظروف، وظهرت بادرة عمل زوجها فى الخارج، طرحتك بعيدا عن دائرة اهتماماتها، فقد انتهى دورك ولم تعد بحاجة إليك.

عزيزتى هونى على نفسك، وصدقينى وأنا أعنى ما أقول هى من خسرتك لا أنت، فإنسانة لم تقدر صدقك وإخلاصك معها فى هذه المرحلة العصيبة من حياتها إنسانة معدنها رخيص، لا تستحق أن تندمى على فراقها، ولتعتبرى أن ما حدث قد حدث لتتعلمى منه، وتعيدى ترتيب دوائر وأولويات حياتك من جديد.

الصفحة الرسمية للدكتورة هبه يس على الفيس بوك:
Dr. Heba Yassin











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد ابو عوف

اعمل الخير وارميه البحر لن يرجع ليك تاني اما لاخير خالصه لله فلن تضيع

عدد الردود 0

بواسطة:

هبه

99% من الناس كده المعاملة عالمصلحة(البعد عن الناس غنيمة)

عدد الردود 0

بواسطة:

abo hesham

الإخلاص والنفاق

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة