فى خمس دقائق فقط يمكنك أن تملأ صفحة كاملة بالملاحظات على الصورة النهائية لحكومة المهندس شريف إسماعيل، ويمكنك أيضا أن تسأل دون توقف «شريف جاى فى إيه ومحلب راح فى إيه؟!، وعلى أى أساس بقى من بقى من وزراء حكومة محلب ورحل من رحل؟!، وما المعايير التى استند إليها إسماعيل فى إعادة بعض الأسماء الوزارية المثيرة للجدل؟!، وهل الدمج الذى حدث فى وزارة التعليم الفنى والتربية والتعليم وزارة التعليم العالى والبحث العلمى ووزارة الصحة والسكان نهائى وإعلان لفشل تلك التجربة، أم تم بسبب ندرة الكفاءات، أو كثرة الاعتذارات؟
الأسئلة كثيرة والملاحظات أكثر ولكن ما تم قد تم، ومن أقسم اليمن أقسم، ومن وعد بمحاربة الفساد والحفاظ على الوطن وعد، وأصبح لمصر حكومة جديدة ترافق شعبها لفترة قادمة ربما تكون قصيرة زمنيا ولكنها مهمة جدا على المستويات كافة.
لذا يخبرنا الواقع أن جميع الملاحظات أفضل لها الضم فى ملف واحد ومنحها فترة استراحة على أرفف المراقبة حتى يتضح مشهد الحكومة المقبلة، ومن ثم ننتقل خطوة إلى الأمام نحو حديث أهم عن مهمة الحكومة الجديدة، هل حددها الرئيس، وهل يعرفها شريف إسماعيل، والأهم هل يدرك الوزراء الجدد أو من تم تجديد إقامتهم على الكراسى المواصفات التى يجب أن يكون عليها، والأهداف التى يجب ألا يصبح شىء آخر بخلافها أمام أعينهم، أم سيظل الوضع على حاله ونشاهد تكرارا جديدا لمأساة وزراء حكومة محلب؟!، وتلك أسئلة وحدها الأيام كفيلة بإيضاح إجابتها أو بعض منها على الأقل.
شريف إسماعيل يجب أن يضع كل المهام فى كفة، ومهمة استعادة هيبة الوزير والحكومة فى كفة أخرى، كفة يتجاور بها الأداء اليومى، وتسهيل احتياجات الناس مع المشروعات مع الجولات الميدانية، وكفة أخرى لا تحمل سوى استعادة هيبة الوزير يجب أن تكون هى الراجحة.
التوقيت والزمن والظرف العام وعمر حكومة شريف إسماعيل المحدد سلفا بسبب مجلس النواب الجديد يجعل للواقع شعارا واحدا يقول إن الحكومة الحالية فى أصلها وفصلها حكومة لتسيير الأعمال، والتغييرات شبه المحدودة التى طالتها تؤكد ذلك، ليس مطلوبا من المهندس شريف إسماعيل وضع استراتيجيات طويلة الأمد، ولا الحديث عن مشروعات كبرى جديدة، فلدى الحكومة من مشروعات معطلة أو مؤجلة أو نالها تشويه من تصريحات وتصرفات الوزراء الجدد ما يكفيه لأن يعمل عليه، وبناء عليه ستبدو المهمة الأصعب لحكومة شريف إسماعيل هى استعادة هيبة رجل الحكومة التى سحقتها تصريحات وأداءات وزراء حكومة محلب فى الفترة الماضية.
الطريقة التى أدار بها بعض وزراء محلب مثل التعليم والتعليم العالى والزراعة والثقافة أزماتهم، وعبروا من خلالها عن أنفسهم عرضت هيبة الوزير للتآكل، كما يأكل الصدأ الحديد، ولذا أصبح البنيان الحكومى ذاته فى خطر، خطر الوزير الذى لا يثق المواطن فيه بسبب تصريحاته الخائبة، وأدائه العاجز والمرتبك، وخطر الوزير الذى لا يحظى باحترام المواطن الذى يشاهده وهو مرتبك ومتعرق ومرتعد فى أى مواجهة إعلامية، وخطر مؤسسات الدولة التى لم تعد تتحمل مشاكل ومعارك جانبية بسبب تصريح خائب وغير مدروس من وزير لا يمتلك أدواته بشكل جيد.
لا شىء أهم يمكن أن تقدمه حكومة شريف إسماعيل سوى سد تلك الفجوة التى يخرج لنا من هنا وزير أو محافظ بتصريحات غير مسؤولة تجعل منه نكتة الشارع وتخلق الأزمات وتحول الوزير من وضع الهيبة إلى وضع السخرية، الوزارة الحالية مهمتها أن تعيد للساحة السياسية صورة الوزير الذى لا يظهر إلا بكلمات لها فائدة، والذى لا يتكلم إلا بعبارات مكتملة الأركان تعرف إلى صدر من تذهب وأى تأثير يحدث، والذى لا ينسحب من مؤتمر بسبب سؤال خبيث من صحفى، ولا يرتعد فى استديو تلفزيونى بسبب ابتزاز مذيع أو أسئلته الصعبة، والذى لا يشارك بمداخلات هاتفية فى كل شىء وأى شىء، رغبة منه فى مجاملة مذيع أو اتقاء لشر انتقاده، كما يجب أن يتمتع أيضا بالقدرة على اختيار من يظهر بجواره فى صوره، ومن يصطحبه فى جولة، ومن يكلفه بإدارة أزمة.
تلك مهمة شريف إسماعيل الأولى والصعبة، بعدها تأتى مسألة الحرب على الفساد داخل المؤسسات الحكومية، لن يقبل الناس مرة أخرى بحكومة ترفع شعار محاربة الفساد، بينما تغرق هى فيه كما حدث فى قضية وزير الزراعة، شريف إسماعيل أمامه فرصة ذهبية بأن يجلس مع وزرائه على مائدة واحدة ويضعوا أمامهم آلاف التقارير الصادرة من الأجهزة الرقابية ويضعوا شعارا لشهرهم الأول هو تطهير الدولة من الفساد، ويجعلون مما هو مكتوب فى أوراق الأجهزة الرقابية إلى واقع نشاهد معها إقالة وكلاء وزراء هنا، والتحقيق مع موظفين هناك، وسقوط مسؤول كبير هنا وهناك، أى شىء غير ذلك لن يبقى لهذه الحكومة أثر.
على ضفة أخرى، على شريف إسماعيل أن يتحول فى أيامه الأولى إلى مدرس يجمع وزراءه من حوله، ليكرر عليهم بشرح تفصيلى ممل ما هو النموذج الذى يجب أن يكون عليه الوزير، ليس عيبا أن يفعل ذلك، وليس عيبا أن يحوله إلى دستور حكومى يوقع عليه الوزراء، ولكن العيب كل العيب ألا يعرف أن الناس فى الشارع لن تقبل وزيرا لا يتمتع بالمواصفات التالية:
- وزير لا يفهم فى السياسة ويستعرض مهاراته بها، مثل صياد لا يجيد التعامل مع الشباك، الفترة المقبلة تريد وزيرا سياسيا لا مثل وزراء الحكومات السابقة، وتحديدا حكومة محلب التى تباهى وزير منها ذات مرة بأنه لا يوجد له خلفية سياسية، وكأن السياسة تهمة، نريد وزيرا قادرا على تمييز ما يقال ومتى يقال، ما يليق بوزير أن يفعله وما لا يليق بوزير أن يقدم عليه.
- وزير لا يجيد التعامل مع الإعلام مثل جندى لا يعرف موقع زناد سلاحه، نريد وزيرا لا يخضع للإعلام حتى لا يتم انتقاده، ولا يتعالى على الإعلام ويقطع معه خطوط الاتصال والتفاهم، نريد وزيرا مدركا لطبيعة المرحلة، ومتفهما أن وجود مكتب إعلامى تابع له وقادر على التعامل مع المستجدات والتغييرات ومشاكل الناس وقادرا على إسعاف الوزير بالمعلومات والخرائط أمر ضرورى مثل وجود الوزير نفسه.
- نريد وزيرا يملك خطة قادرا على التعبير عنها، قادرا على أن يشرح للناس مشاكل وزارته وكيف سيتعامل معها، ويكون لديه تصور واضح وجدول زمنى للتعامل مع أزماته.
- نريد وزيرا مستوعبا ومتفهما تماما لفكرة الذمة المالية والفساد، ولا يعرف معنى للواسطة والمحاباة، ولديه استعداد للتعلم ولا يخجل من أن يطلب التدريب على شىء يشعر بأنه ينقصه، ويجيد التعامل مع الجماهير، لا يتعالى عليها ولا يستهين بمشاكلها، والأهم من كل ذلك أن يعلمهم رئيس وزرائهم طريقا لمعرفة الرب، ويعلمهم أن مراعاة ربنا فى ناس هذا الوطن هو أصل مهمتهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة