قبل ثورة يناير 2011 بشهور قليلة جمعتنى جلسة مع صديقة طفولتى، وهى مسيحية، شكت لى فيها من أن أبناءها المتفوقين يدفعونها لطلب الهجرة، وذلك لشعورهم بالاضطهاد فى بلدهم، وحكت لى عدة وقائع شخصية حدثت لهم وحدثت معها حين كانت طالبة فى كلية الطب وخلال مسيرة عملها، وكان ردى عليها آنذاك أننى أعرف مثل هذه الوقائع وغيرها، ولكن كثيرا منها وليس كلها وقائع تدل على فساد القائمين وتطال المسلمين والمسيحيين، أى تطال كل المصريين بغض النظر عن دينهم، فحكيت لها من الوقائع مثل ما حكت لى ولكن بأبطال مسلمين يتعرضون لنفس أو لبعض ما تعرض له أبناؤها، فلم أنف تماما إحساس المسيحيين فى مصر أحيانا بالاضطهاد، ولكنى أردت أن أؤكد أن بلدا يرتع فيه الفساد هو بلد يضطهد أبناءه جميعا بغض النظر عن دينهم أو لونهم.. وكتبت هذه الحكاية فى حينها بعنوان «مريم أو مارى».
وها أنا مضطرة ثانية أن أعود لأكتب عن مريم أخرى ليست صديقتى ولكنها فتاة صغيرة غضة متأكدة أنها تعرضت لظلم فادح بحصولها على صفر فى الثانوية العامة وهى فى الأصل فتاة متفوقة، ولم تستسلم لإحساسها بالظلم بل راحت تجاهد من أجل إثبات حقها فى إعادة تصحيح أوراقها فوقفت ضد وزارة عتيدة بليدة هى سبب من أسباب تخلف مصر، وهكذا رأيت الواقعة، نظام تعليم عقيم ونفوس طال عليها الأمد فى الفساد، وشعب متشكك فى كل مسؤول وكل تقرير ليس لأنه شكاك بطبعه، ولكن لأن الحق صوته خفيض فى هذا البلد وصوت الفساد أكثر علوًّا.
ولكن ظهرت أصوات على بعض المواقع الاجتماعية ومن خلال بعض الأقلام تمنح الواقعة صبغة طائفية دينية فقالوا إن مريم حصلت على صفر لأنها مسيحية، ولم أود أن أعلق على هذا الأمر منذ ظهرت تلك الإشارات، فقد اعتبرت أن مجرد الإشارة له ولو بالنفى خطأ مهنى فلا يجب ترويج الخطأ حتى بنفيه، ولكنى الآن مضطرة أن أكتب عنه، فحين يحدد بابا أقباط مصر الأنبا تواضروس موعدا ليلتقى بمريم الفتاة التى تشعر بالظلم كنوع من المساندة الإعلامية والنفسية والكنسية للفتاة، فتلك إشارة لا يجب تجاهلها ولا يجب السكوت عنها لأنها جد خطيرة، فأنا أحترم أن البابا هو السند الروحى لكل مسيحى فى مصر، ولكن حين يقع ظلم ما على مصرى أو مصرية بغض النظر عن دينه فرفع الظلم عنه لا يجب أن يتصدى له شيخ الأزهر لو كان المظلوم مسلما، أو البابا لو كان المظلوم مسيحيا، بل يجب أن يتصدى له المسؤول والقانون فقط، ولذا أقدر لقاء مريم برئيس الوزراء، فتلك مهمته، أما وأن تعلن الأخبار أن البابا سيلتقى بمريم- حتى وإن لم يحدث اللقاء- فهذا يمنح القضية صبغة طائفية على غير طبيعتها، البابا تواضروس قيمة وقامة نعتز بها جميعا كمصريين، ولكن عفوًا نيافة الأب، مريم ظُلمت لأنها مصرية فى بلد يكثر فيه الظلم وليس لأنها مسيحية، ولقاؤك بها للأسف يدفع بالأمر لمسار آخر مصر أحوج ما تكون لتبتعد عنه، وهو إعادة كل خلاف أو مشكلة للطائفية، من حق البابا تواضروس أن يهتم بشعب كنيسته، ولكن عليه أولاً أن يتذكر أنهم قبل أن يكونوا شعب الكنيسة، فهم شعب مصرى، لهم الحق فى التظلم حتى دون مساندة من الكنيسة، فمريم ظُلمت لأنها مصرية وليست لأنها مسيحية، وتلك هى الحقيقة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة