أجبر الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، أعضاء هيئة تدريس الجامعة على أن يوقفوا التعامل بالملازم مع بداية العام المقبل، وشمل قرار رئيس الجامعة الصادر، مؤخرا، تخفيض سعر الكتاب الجامعى، وجاء فى الخبر الذى نشره موقع «اليوم السابع» أن «نصار» لاحظ أن هناك بعض المغالاة فى أسعار الكتب، وكأن هذا الأمر هو ما يدفع الشباب إلى استخدام «الملازم» وفى اعتقادى أن هذا القرار على أهميته سيبقى دون جدوى لأسباب سأوردها بعد قليل، لكن قبل الدخول فى تفاصيل القضية يجب أن أشير هنا إلى أن الأمر لا يتعلق بمناقشة قرار رئيس الجامعة بل يتعلق بمناقشة فلسفة التعليم الجامعى فى مصر، أى فلسفة «مستقبل مصر» ومن يتابعون العملية التعليمية فى مصر يعرفون جيدا ما تلعبه «الملازم» التى يقوم بعملها بعض الأساتذة أو المعيدين للطلبة لشرح المنهج الجامعى من أدوار هدامة فى العملية التعليمية، ولذلك وجب علينا مناقشة هذه القضية باهتمام.
والملازم لمن لا يعرفها هى بضع ورقات يختصر فيها البعض منهج العام الدراسى، وذلك بالمخالفة لما يفترض أن يكون، فلا وجود فى «الجامعة» لفكرة «المنهج» وليس من المفترض أن يكون هناك «كتاب» أو «ملزمة» فالجامعة لا تؤهلك إلى تخصص ما فحسب، ولكنها تمنحك مهارة التعلم بمعناها الشامل، ولا تجعلك المواد الدراسية ملما بوجهة نظر واحدة يتبناها مؤلف الكتاب أو الملزمة، بل من المفترض أن تجعلك ملما بكل وجهات النظر الخاصة بموضوع الدراسة، وفى السابق كان التعليم فى مصر يعتمد على الأستاذ الجامعى الذى يثير القضايا فى موضوع الدراسة ويناقش بعضها تاركا المجال للطلبة للبحث فى ذات الموضوع الذى تكلم فيه الأستاذ، وكان من بين معايير تقييم الطلبة هو قدرتهم على الابتكار والإتيان بما لم يأت به الأستاذ، كما كان البحث فى حد ذاته معيارا من معايير التفوق، وكان الطالب المجتهد هو الذى يستطيع أن يفاجئ أستاذه بما حصله بنفسه عن المادة وما توصل إليه من اجتهاد شخصى فى أصل الموضوع، ومع تدهور العملية التعليمية، وضعف مستوى المكتبات، وتكدس الطلبة فى المدرجات، وغياب الضمير الراعى للمعرفة، استسهل الطلبة والمدرسون فكرة «الملازم» التى تشكلت فى البداية على يد بعض الطلبة المجتهدين، ثم استغلها بعض المنتفعين من التجار ثم حينما وجد الأساتذة أن هناك «باب رزق» قد فتح قالوا ولماذا لا ندخل؟ ثم دخلوا إلى المعمعة ليكتبوا نهاية التعليم «المحترم» فى مصر.
لماذا إذن نقول إن هذا القرار دون جدوى وإنه لن يؤتى بثماره؟ والجواب هو أن جامعة القاهرة لا تملك ولا تستطيع أن تمنع تداول الملازم، ولو حرمت على الأساتذة طباعتها أو توزيعها سيوزعونها تحت أسماء مستعارة أو سينشرونها بأسماء طلبة من المتعاونين معهم، فمن العبث أن نمنع الملازم فى الوقت الذى لا نمس فيه «البيئة» التى خلقت الملازم، ففلسفة التعليم فى مصر بحاجة ماسة إلى مراجعات شاملة، ليس قرارات عنترية.