هل سنصل لحرب بين السعودية وإيران؟.. فى حواره المطول مع صحيفة الإيكونومست البريطانية رد الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد وزير الدفاع السعودى، على سؤال حول احتمالية نشوب حرب مباشرة بين بلاده وإيران بقوله «هذا أمر لا نتوقعه مطلقا، ومن يدفع بهذا الاتجاه فهو ليس فى كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين السعودية وإيران تعنى بداية كارثة كبرى فى المنطقة، وسوف تنعكس بقوة على بقية العالم، وبالتأكيد لن نسمح بحدوث ذلك».
ما قاله الأمير محمد يشير إلى أن السعودية تفطن جيدًا لمخاطر المواجهة المباشرة بين البلدين، وأن ما يحدث حاليًا من توترات سياسية ودبلوماسية لن يصل لمرحلة الصدام العسكرى المسلح، وأن الأمر كما سبق أن توقعته قبل عدة أيام لن يخرج عن إطار تحركات من أجهزة المخابرات للقيام بأعمال تخريبية ضد مصالح البلدين فى المنطقة، وأن الحرب هى فكرية مخابراتية أكثر من كونها عسكرية مباشرة، لأن كلا البلدين يدركان خطورة هذه المواجهة إن حدثت، كما أن الإقليم بأكمله لن يستطيع تحمل تكلفة هذه المواجهة أو الحرب، وإذا عدنا للوراء قليلًا حينما كانت واشنطن تهدد ليل نهار بأنها ستوجه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فضلًا عن التهديدات الإسرائيلية ذات الصلة، كانت السعودية وبقية دول الخليج تحث واشنطن على عدم التحرك فى هذا الاتجاه، لأن الرياض تدرك الواقع المر الذى يمكن أن تعيشه المنطقة جراء أى صدام عسكرى فى المنطقة، ليس بين إيران والسعودية فقط ولكن بين أى من دول المنطقة، وهى الحقيقة التى تدركها إيران أيضًا، التى كانت تعتبر إسرائيل العدو الأول والخطر الحقيقى أمامها، لكنها لم تجرؤ على توجيه أى ضربة لإسرائيل، وإنما استخدمت أذرعها الإقليمية وتحديدًا حزب الله فى توجيه ضربات لتل أبيب فى إطار الرغبة الإيرانية فى اللعب بكروتها الإقليمية لتثبت للغرب أنها قادرة على إزعاجهم وتهديد مصالحهم بالمنطقة.. إيران فعلت ذلك عن طريق أذرعها لكن لم تقم بالمواجهة المباشرة، لإدراكها أن تكلفة ذلك كبيرة عليها وعلى الإقليم كله.
كل المؤشرات تشير إلى أننا لن نرى مواجهة مباشرة بين البلدين، حتى فى ظل التهديدات المتهورة وغير المسؤولة المنسوبة لقيادات إيرانية وأعضاء بالحرس الثورى الإيرانى، لأن هذه التهديدات هى التى نعتادها دومًا من الإيرانيين فى مثل هذه الحالات، لكنهم فى النهاية سينصاعون إلى فكرة التفاوض والتجاوب مع كل محاولات التوسط، لكنهم فى هذه المرحلة يحاولون تحقيق أكبر قدر من الاستفادة، سواء بتخفيف الضغط على الحوثيين فى اليمن، أو العمل على تحريك الأزمة السعودية بالشكل الذى يحافظ على مصالحهم، وارتباط ذلك أيضًا بالوضع فى لبنان الذى تنظر لها إيران على أنه نقطة ارتكاز مهمة لتحركاتها فى الإقليم، خاصة أن حزب الله هو الذراع الأقوى لإيران فى الخارج.
كيف ستتطور الأمور بين الرياض وطهران؟.. من ينظر إلى كل من السعودية وإيران سيجد أنهما العنوانان الأبرز للتنافس بين الشيعة والسنة، وفقًا لما تحاول الدولتان تصديره للخارج، كما أن الدولتين يملكان مصادر دخل متنوعة، وإن كانت المملكة أكثر ثراءً من إيران بسبب الاحتياطات البترولية الأكبر لديها والتى تبيعها فى الأسواق العالمية، فى حين أن إيران كانت تعانى من حصار اقتصادى دولى أثر عليها داخليًا، وتأمل أن يكون الاتفاق النووى عاملًا مساعدًا فى تحقيق الانطلاقة الاقتصادية التى تنظر لها باعتبارها تأريخا جديدا لقوة وإمكانيات الدولة الفارسية.
كما أن لدى الدولتين قوة عسكرية هائلة، فالسعودية تملك جيشًا مجهزًا بالأسلحة القوية والحديثة والتى جاءتها من أكبر المصانع الغربية، أما إيران، فتكنولوجيا أسلحتها أقل كفاءة، فهى لا تتمكن من شراء الأسلحة القوية مثل تلك التى تمتلكها المملكة بسبب العقوبات المفروضة عليها حتى الآن، وإن حاولت طهران طيلة السنوات الماضية الاعتماد على النفس فى مسألة التصنيع الداخلى، لكنها لم تحقق المراد فى هذا الأمر، فاعتمدت على العنصر البشرى الذى جرى تدريبه فى أزمات إقليمية وتحديدًا فى العراق وسوريا.
هذه قراءة سريعة لقدرات كلتا الدولتين، ورغم ظهور التفوق السعودى المادى والتسليحى، فإن هذا التفوق لا يعطيها القدرة على المواجهة العسكرية مع إيران، لأن هذا التفوق ليس كافيًا لفرض السيطرة على الأرض، لوجود عوامل أخرى داخلية وإقليمية تحتم على السعودية أن تتعامل مع إيران بمنطق ومفهوم آخر غير المفهوم العسكرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة