إذاعة جلسات البرلمان على الهواء مباشرة سلاح ذو حدين، إيجابياتها فى إقرار حق الرأى العام فى المعرفة، وإطلاعه على أدق تفاصيل المعارك البرلمانية، وسلبياتها فى تحويل الجلسات إلى "توك شو"، يفقد البرلمان هيبته واحترامه، ويهدر وقار الأعضاء فى دوائرهم، وتجعل المنافسة بين النواب من أجل الكاميرات، وليس جوهر العمل البرلمانى فى الرقابة والتشريع.
لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سيصبح مجلس النواب إلى وليمة دسمة لبرامج التوك شو، فتزداد الحرائق اشتعالا، ويتحول الضجيج إلى صراخ وربما شتائم وسباب، وما حدث فى اليوم الأول يجب أن يكون جرس إنذار، فنحن لا نريد برلمانا للفرجة والتسلية والإثارة، ولا نريد نوابا يلهثون وراء الكاميرات، ويشيرون بأيديهم لأقاربهم الذين يتابعون الجلسات، ولا أعضاء بعضهم يتشاجر وبعضهم يتوسط للتهدأه والتصالح.
الكاميرات والأضواء والفلاشات لها مفعول السحر، وتفسد الهدوء وتغير الطباع وتجلب الغواية، فالنائب الهادئ يتحول إلى شرس، والطيب يصبح عدوانيا والعاقل يترك وداعته، لأن ما يحدث صوت وصورة، وأهالى الدايرة يرصدون كل شىء، ويصفقون ويشجعون اللعبة الحلوة، والنائب من جانبه يريد أن يرضى مشجعيه، ويرد الصاع صاعين إذا تعرض للنقد من زميل، ويزايد على غيره من الزملاء فى عرض مشاكل إبناء دائرته، يعنى توك شو بالنهار وتوك شو باليل . المرحلة تحتاج عقلا وعقلاء وحكمة وحكماء، والبرلمان ليس فيه حزب كبير يفرض على أعضائه الالتزام، وفيه نواب عرفهم أناس من الفضائيات، وآخرين يريدون أن يختصروا الطريق إلى الشهرة باللجوء إلى الفضائيات، بما يعنى أن كل العوامل مهيأة لتكرار سيناريو اليوم الأول فى غالبية الجلسات، بسبب البث المباشر وكانها مباراة فى كرة القدم أو عودة حفلات أضواء المدينة. إذا حدث ذلك سيفقد البرلمان احترامه لدى الرأى العام، وتحمل برامج التوك شو الليلية معاول الهدم لبرلمان التوك شو النهارية، وسيتحول كثير من الأعضاء إلى ما يشبه الديوك فى حلبة الصراع، وستصبح اللغة السائدة هى اللعب على مشاعر الجماهير، وليس الصالح العام .
والحل؟ .. عندنا "قناة صوت الشعب" تتبع التليفزيون المصرى، يمكن أن تحل المعادلة الصعبة "وقار البرلمان وحق المعرفة" وأن تتحول إلى منبر يثرى الحياة السياسية، ويسحب السجادة من تحت اقدام قنوات الإثارة والتحريض، بشرط أن تكون لها أفكار خلاقة وخطط إبداعية، ترتقى بالتغطية الإعلامية، وتحقق الجذب والتشويق وليس الردح والتحريض .