الواقع سبق الإفيهات
أكثر ما يلفت النظر فيما جرى بالجلسة الافتتاحية لمجلس النواب، أن الواقع سبق الإفيهات والقلش والتعليقات الساخرة، والأمر الآخر أن حجم الكوميديا جاء أقل من المتوقع، ومع هذا أثار دهشة المتفرجين.. الذين يريدون السياسة يتحسرون على مجالس كانت تسير بالعين والحاجب، والذين لديهم بعض الأمل يراهنون على أن ما جرى يكشف عن عدم وجود سوابق سياسية احترافية لدى أغلبية النواب، الأمر الذى يعنى تقليل نسبة المحترفين.
وفى نفس السياق تبدو السياسة بالفعل مأزقا لكل الأطراف، حيث لا أحد لديه كتالوج لما هو عمل سياسى، ويبدى البعض دهشته من قول بعض النواب «ماليش فى السياسة» وهى عبارة يعنى بها قائلوها أنهم بلا سوابق وأبرياء، بينما يراه البعض مشكلة أن يكون أغلب النواب بلا سياسة.
فى موضوع السياسة نفسه، لا يوجد كتالوج يحدد ما هى السياسة وما ليس سياسة، الجمهور يهتم بالسياسة ويتحدث فيها من دون أن يفكر فى ممارستها، أو غالبا يقف البعيدون فى حالة من الغضب النظرى، ومصمصة الشفاه، و«الوقوف على الواحدة»، والبحث عن أعلى نقاط الإفيه، والهدف أن يحصلوا على إعجاب وزبائن افتراضيين، مع ملاحظة أن حجم المعلقين والمحللين تضاعف أضعاف من يتفرجون، مع حالة إفلاس فى التعليقات، التى أصبحت مكررة، وخالية من التشويق، بينما واقع «حلفان الطلاق» والقسم تجاوز كل الإفيهات.
السؤال المهم: هل يمكن للمواطن أن يثق فى كون هذا البرلمان قادرا على أن يعبر عنهم ويعبر عن المرحلة؟.. طيب إذا كانت الإجابة بلا، وأن هناك اعتبار أن هذا البرلمان ليس هو المعبر عن المرحلة والثورة والتغيير، فهل يمكن أن يكون لدى أى طرف تصور للشكل النموذجى للبرلمانات.. الذين يقولون: كنا نتوقع، هم أنفسهم متفاجئون، وهى مفارقة من مفارقات كثيرة، ثم إن من لا تعجبهم هذه السياسة، ليس لديهم قالب للسياسة. وحتى المفاجآت التى فجرها غاضبون ومستبعدون، تعكس غيرة أكثر مما تعكس اهتماما ورغبة فى التطهير أو التطهر.
وإذا حكمنا على أن «الجواب يبان من عنوانه»، فسوف نرى أن هذا البرلمان لا يبشر بالكثير من الإنجاز، وإذا نظرنا إلى نصف كوب فقط، ربما نرى أن الوصول إلى مجلس نواب، هو فى حد ذاته إنجاز حتى ولو لم يأت معبرا تماما عن المجتمع وطموحات الشعب، وهى أمور لا تحلها حالة الفرجة والقلش والسخرية المستمرة، لأنها تعكس مأزقًا لكل الأطراف، المجلس والمعترضين والمؤيدين، لكن الأهم فى كل هذه المكاسب، أن البرلمان سوف يفتح أبوابا أخرى من النقد والجدل والاعتراض الذى ربما يعبر ثنائية «موافق، معترض»، إلى قماشة متسعة تستوعب أغلبية ليست مطبلة ولا غاضبة إنما تباشر حالة المواطنة كما هى فى الأحوال الطبيعية، والرهان أن يفرز هذا البرلمان نوابا وسياسيين، تكشف عنهم الممارسة، وليس التنظير، لأن المأزق لكل الأطراف.