لا توجد طريقة وحيدة لصناعة الإرهاب فى العالم حتى إذا ما عرفها الناس وتجنبوها، انتهى هذا الدمار الرهيب الذى يحيط بنا ويصنع كوابيسنا، لكن صناعة هذا الطاعون الأسود تحدث بطرق متعددة وأساليب مختلفة، تختلف حسب كل ثقافة وحسب كل شخص، ولن نستطيع ذات يوم أن نحصر سبب الداء بشكل قاطع، لكننا نستطيع أن نواجهه شريطة ألا نكون نحن متطرفين فى هذه المواجهة.
وهذه الأيام يحدث جدل كبير فى فرنسا التى تعد من أكثر الدول التى عانت من الإرهاب فى عام 2015، ففى بداية يناير حدث الاعتداء الغاشم على مجلة «شارلى إبدو»، ومهما كنا نختلف مع أسلوب المجلة ومادتها فليس الاعتداء عليها هو الحل، وفى شهر نوفمبر الماضى حدثت اعتداءات أكثر دموية فى باريس وتعاطف الجميع معها، لكن فى لحظة الغضب خرج الرئيس فرانسوا هولاند عقب هذه الاعتداءات التى خلفت 130 قتيلا مصرحا باعتزام الحكومة رفع مشروع تعديل دستورى إلى البرلمان لإدراج إسقاط الجنسية فى الدستور، مع توسيع نطاق هذه العقوبة، لتشمل كذلك المولودين فى فرنسا، ثم تطور الأمر وأصبحت هناك مطالبات بإسقاط الجنسية عن حتى الفرنسيين أبا عن جد وهذا المشروع سوف تتم مناقشته فى البرلمان الفرنسى شهر فبراير المقبل، وهو أمر خطير جدا، لأنه يعنى معالجة الإرهاب بالخوف.
يرى البعض أنه فى حال تطبيق القانون على مزدوجى الجنسية فإن ذلك يصنع نوعا من عدم المساواة داخل البلد الواحد، خاصة أن المسلمين سيكونون أكثر الفئات تعرضا لهذا التصرف، ويرى البعض أنه يجب من باب المساواة تطبيقه على جميع الفرنسيين ويتوقعون أنه مهما يكن العدد فإنه سيكون قليلا، لكن أحدا لم يفكر فى كلمة «عديمى الجنسية» التى سيصنعها هذا المشروع لو تم إقراره وتحول إلى قانون، حينها سوف تتم صناعة فئة جديدة فى المجتمع تسمى «إرهابيين»، سوف تصبح هوية يشار إليها، وبالتالى سوف تترتب على ذلك أشياء كثيرة أقلها الحقد.
الإرهاب يكمن فى الأفكار وليس فى الأشخاص، وتصرفات مثل سحب الجنسية سوف تغلق باب التوبة تماما أمام الذى يريد أن يغير أفكاره ويعود إلى رشده، كما سيطيح بأحلام وطموحات أسر عديدة ويخلق جيلا موصوما بأفعال الآباء لن يملكوا جنسية، لأن آباءهم ارتكبوا تصرفات إرهابية، كل هذا وغيره سوف يجعل على مر الأزمنة عوالم سفلية أكثر اتساعا تنخر فى أساسات البلاد، وحينها سنعترف بأن تصرفاتنا غير المدققة ساعدت على ذلك.
وفى مجتمع مثل مصر معظم مشكلاته الفكرية ناتجة من غياب مفاهيم منها الشعور أحيانا بالإقصاء والبعد وعدم وجود المساحة المشتركة بين الجميع لحلم واحد، وهذه المشكلات لن يتم القضاء عليها إلا عن طريق المراهنة على الحلول الحقيقية وأولها المواطنة.