يسأل الإنسان نفسه بعد أن ينتهى من رواية «الخيميائى» للكاتب البرازيلى الشهير باولو كويللو التى حققت نجاحا كبيرا فى كل العالم، وتمت ترجمتها إلى أكثر من نحو 60 لغة، وهى بالمناسبة مأخوذة عن قصة فى ألف ليلة وليلة، لماذا نحب هذه الرواية ونقرأها أكثر من مرة ونعود إليها أحيانا وتحتفظ بنسخة منها دائما معنا، هذا على الرغم من كون البعض يرى أن بناءها الروائى ليس قويا بما يكفى، والمتأمل يدرك أن السر يكمن فى الدعوة للتفاؤل.
إنه التفاؤل صانع المجد فى الحياة، هو سرها المختبئ داخل صدفتها، وكنزها المفقود الذى يبحث عنه الجميع الذى يكمن فى ثنايا الحياة لكننا لا نتنبه إليه كثيرا، يمر بجانبنا فى رؤية الأطفال للحياة وفى فهمهم لها القائم على القلب لها، لكنهم يقولون بأن البلوغ مهلكة ويبدو أن ذلك حقيقيا، لأن السنين بقهرها وبطريقتها الصادمة قادرة على سرقة التفاؤل والأمل وعلى منحنا شيئا كئيبا اسمه الحزن.
والحزن هل نعشقه ونترصده ونسعى إليه، ونرى فى سواده نوعا من «الشماعات» الصالحة لنعلق عليه إخفاقاتنا الكبيرة والصغيرة، وأن تكسو ملامحنا ما نظنه «الجد» وهو فى جوهره الهزل كله، نمشى بوجوه لا تبصر سوى الأرض وبرغبة قوية فى الاختفاء، لا نريد أن يبصرنا أحد أو نبصر أحدا، نتمنى لو نذهب لصحراء جرداء بعيدة نختفى نحن وأحلامنا فيها ونسكن مع همومنا نربى يأسنا ونرعاه بكل ما تبقى فينا من حياة.
الكتاب والمثقفون والمبدعون مسؤولون مسؤولية كاملة عن بناء التفاؤل والحلم فى المجتمع، وأن يجعلوا الأطفال يصحبون فى صباحاتهم الفراشات وهم فى طريقهم للمدرسة، فالمؤسسات الحكومية كلها لا تجيد حتى الآن زراعة نبتة الأمل داخل هذه الأرواح الحالمة ولا تجيد لغة الفراشات حتى ترسلها للأطفال فى صباحاتهم، ولا تجيد أيضا صناعة الأحلام لا تنتج عنهم سوى الكوابيس المزعجة القاتلة أحيانا، لذا على المبدعين أن يحملوا هذا الهم الذى خرج من كونه رفاهية، وأصبح بالطبع فريضة يجب أن يمارسها الجميع بلا استثناء ولم تعد فرض كفاية يقوم بها البعض.
على المثقفين صانعى الوعى فى مجتمعنا أن يقرأوا الرواية الفرنسية الأمير الصغير «Le Petit Prince» وهى رواية صغيرة للكاتب الفرنسى أنطوان دو سانت - أكزوبيرى كتبها منذ ما يقارب الثمانين عاما، وبعد أن يتأملوها جيدا يتعلمون منها كيف يكتبون أدبا للأطفال يصنع البهجة والأمل وينتصر لروح الطفل ولقلبه ويجعله لا ينسى لحظات التوهج التى يعيشها وتمنحه القدرة ليحب كل الأشياء ولا تحوله لآلة روتينية تعيش، مثل ساعة رملية تأكل روحها طوال الوقت، وينتهى بهم الحال يطاردون شيخوختهم وتطاردهم الكآبة.