وبعد صدور تقرير لجنة تقصى الحقائق التى أمر بتكليفها الرئيس عبد الفتاح السيسى للتحقيق فيما أعلنه المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، عن حجم الفساد فى مصر وتقديره بأنه 600 مليار جنيه، وما تبع ذلك من ردود أفعال متباينة آثارت لغطا وجدلا مهولا فى الشارع المصرى، وفى توقيت غاية فى الحساسية، وبعد أن كشف التقرير عن أكبر عملية تضليل تحدث بشأن تكلفة الفساد فى مصر، وبأن ما ورد على لسان المستشار جنينة جانبه الصواب والدقة، فهل يحاسب السيد هشام جنينة على خطأه الذى ارتكبه وعلى تقاريره التى تدينه؟
هذا هو السؤال الذى أظنه يطرح نفسه بقوة فى الشارع المصرى، وهو حديث الساعة هذه الأيام ولأيام قادمة، فقد أخطأ مسؤول كبير بالدولة بل مسؤول أكبر جهاز رقابى، كلمته وتصريحاته لها تأثيرها وصداها القوى فى الداخل والخارج سواء بالسلب أو بالإيجاب، وفى هذه الحالة جاءت تصريحاته سلبية ورسالة غير مطمئنة أبدا لرجال الأعمال والمستثمرين والشركات العالمية والعربية، بأن الأوضاع الاقتصادية وبيئة الاستثمار بيئة متخمة بالفساد، لا تشجع أو تحفز على دفع الاستثمارات إلى مصر فى أى مجال، وتشيع مناخا من عدم الثقة فى الاقتصاد المصرى لدى جهات التمويل الدولية والمؤسسات المالية والاقتصادية العالمية، بما يخدم مخططات المتربصين بمصر فى الخارج والداخل، الذين يمارسون الضغط المستمر عليها لإنهاكها اقتصاديا.
سواء فعل ذلك المستشار هشام جنينة، بسوء نية أو حسن نية، فإنه فى موقع المساءلة الآن بعد صدور تقرير لجنة تقصى الحقائق، هل كان يظن أن تصريحه عن حجم أو «تكلفة الفساد» فى مصر سيمر مرور الكرام دون التوقف عنده، فهو رجل له حيثيته فى المجتمع، وفى جهاز الدولة وكل كلمة له بحساب وبمعلومات دقيقة وبمنهج علمى، فلو كان قد أعلن ذلك بسوء نية فهذه قضية أخرى، تثير الشكوك حول دوافعه وانتماءاته، وأما لو كان بحسن نية، فإن الطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا، وجهنم المقصودة هنا هى واجب المساءلة والتحقيق.
القراءة الأولية لتقرير لجنة تقصى الحقائق تؤكد أن هناك تضليلا وترتيبا وتجميعا مفتعلا لوقائع حدثت منذ عشرات السنوات، وإثبات استمرارها دون تصويب كذريعة لإدراجها المغرض ضمن عام 2015، والتضخيم فى حجم وقيمة ما سمى بالفساد، وذلك بتكوين وتجميع بعض الأرقام أكثر من مرة وتحت مسميات عدة فى أكثر من موضع، وإساءة توظيف الأرقام والسياسات، مما يظهر الإيجابيات بشكل سلبى واعتبار تأخر سداد مديونيات الشركاء الأجانب بقطاع البترول وجدولتها فسادا، وأن هناك إغفالا متعمدا لما تم اتخاذه من قرارات حيال ملاحظات سبق إثباتها فى تقارير الأعوام الماضية، وتم الرد عليها وإحالة بعضها لجهات التحقيق وصدور أحكام فى بعضها بالبراءة أو الإدانة.
إذن أى اتهامات يمكن أن توجه للمستشار جنينة، هل تنطبق عليه نصوص مواد كثيرة بإذاعة أنباء من شأنها زعزعة الاستقرار والسلام الاجتماعى وأحداث بلبلة بين الناس، والتأثير السلبى على الاقتصاد المصرى.
هل يحاسب المستشار جنينة بالفعل، وهل تواجه البرلمان الجديد أولى المهام الصعبة والدقيقة فى محاسبة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، أم أن المستشار جنينة يستبق الجميع، ويتقدم باعتذار علنى مكتوب عن خطئه أو يتقدم باستقالته وإعفائه من منصبه قبل 9 شهور من انقضاء مدته كرئيس للجهاز؟
وما هى الإجراءات القانونية التى سيتم اتخاذها ضده فى هذه الحالة غير المسبوقة فى تاريخ جهاز المحاسبات منذ تأسيسه باسم «ديوان المحاسبة» عام 1942 قبل أن يحمل اسمه الحالى عام 1964 أم يصبح الحل للهروب من كل هذه المسائل اسمه قطر!