ينتظر العالم تلك الزيارة المرتقبة، حيث سيحل الرئيس الصينى ضيفا على مصر فى الأسبوع المقبل، وقبل هذه الزيارة كانت وزارتا الثقافة فى كل من البلدين تدشنان العام الثقافى المصرى الصينى أمس بحضور وزير الثقافة المصرى حلمى النمنم والسفير الصينى فى القاهرة سونج ايقوه وهذا من وجهة نظرى بداية صحيحة لعلاقات قوية من الدولة الأكبر فى العالم من حيث التعداد السكانى والنشاط التجارى وثانى أكبر دولة من حيث حجم الاقتصاد، فلا شىء يجمع بين الشعوب أوثق من الثقافة، ولا شىء يضمن التوافق والتعارف والمحبة سوى معرفة الثقافة فى كل من البلدين، وفى الحقيقة فإنه من حق مصر والصين أن تفخرا بهذا اللقاء التاريخى الكبير، ليس للاعتبارات الاقتصادى والسياسية الراهنة، ولكن لأن مصر والصين أقدم حضارتين على وجه الأرض، وبين الشعبين عشرات المشتركات الثقافية والحضارية، وسيكتمل هذا التوافق بمزيد من التقارب الثقافى المصرى الصينى الذى نتمنى أن يحدث هذا العام كما نتمنى أن يكون هذا العام نقطة انطلاق وليس نقطة سكون.
مصر والصين بحاجة إلى هذا التقارب الكبير، وفى الحقيقة فإن ما يجمع بين الشعبين من وجهة نظرى أكثر بكثير مما يفرق بينهما، فمن خلال زيارتى الأخير للصين لمست عن قرب مدى تقارب الشعبين المصرى والصينى بشكل كبير، فالأوضاع الداخلية فى الصين تكاد تتقارب مع الأوضاع الداخلية فى مصر، وبرغم أن الصين قد سبقت مصر بكثير فى الناحية الاقتصادية لكن مازال الشعب الصينى يتطلع إلى المزيد من الرفاهية تماما كالشعب المصرى، وعلى المستوى الروحى فقد لمست مقدار ما يتمتع به الصينيون من خفة دم ورحابة فى التعامل مع الآخر وإقبال على الحياة بملذاتها الصغيرة تماما كالمصريين، لكن للأسف أسهم البعد المكانى والانغلاق التاريخى فى ندرة ما يعرفه الشعبان عن بعضهما البعض برغم أن العلاقات المصرية الصينية تمتد لمئات السنين، ويشهد عليها ما تحتفظ به المتاحف المصرية من مقتنيات مملوكية صينية أو تقليد للصينية، كما يشهد عليها توافد البعثات الصينية إلى مصر منذ ثلاثينيات القرن الماضى وإرسال علماء الأزهر إلى الصين.
تلك بداية صحيحة، إذ يجب أن نزيل الاغتراب بين الشعبين المصرى والصينى لما يشمله هذا الأمر من أهمية قصوى على جميع المستويات، ولا أبالغ إذا قلت إن الشعبين المصرى والصينى كفيلان بإحداث تغيير كبير فى الخريطة العالمية إذا ما أحسنت الحكومات استغلال إمكانياتها، فى الحقيقة فإن كل الأجواء مهيأة لمثل هذا التغيير الكبير، وقد لمست بنفسى محاولات الجانب الصينى بذل جميع الجهود الممكنة من أجل الانفتاح على الآخر والاشتراك مع الدول المركزية فى محيطها فى مشاريع استثمارية كبيرة، كما لمست تلك الجهود الكبيرة أيضا التى تبذلها الحكومة الصينية من أجل إذابة الجمود بينها وبين شعوب العالم، وفى النهاية فإننى أؤكد أن الصين تبذل كل هذه الجهود من أجل مصلحتها ومصلحة شعبها وعلينا أيضا أن نعمل من أجل مصلحة شعبنا بالحصول على شريك قوى فى الساحة العالمية سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الثقافى.