ازدراء الأديان، صارت تلك هى التهمة الأشهر والأكثر تداولًا بين التهم التى تحاصر كثيرا من الشخصيات العامة، وحتى شخصيات مجهولة لا نعرفها، وربما لا يسلط الإعلام لذلك عليها الضوء، ولكنها تظل كغيرها متهمة بالازدراء، التهمة المعلبة التى صارت بعبعا يلوح به كل محامٍ أو شخص «غاوى شهرة»، بل للأسف تلوح به مؤسسة دينية هى الأكبر فى تاريخ الإسلام وهو الأزهر.
كلمة تزدرى جاءت فى القرآن بمعنى الاحتقار «وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنْفُسِهِمْ إِنِّى إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ» «هود:31» والآية هنا توضح بجلاء أن الذين يزدريهم الناس فالله وحده أعلم بهم وليس الناس، ولهذا فالازدراء هو فعل وليس قولا أو فكرا وإلا فإننا لو أخذنا بغير هذا المنطق سيعنى أننا جميعًا نزدرى بعضنا البعض، لأننا نختلف عن بعضنا البعض فى الفكر، والازدراء فى الإسلام بدأ سياسيًا، فجماعة معاوية كانت تزدرى جماعة على والعكس صحيح، وكل منهما فرق المسلمين شيعًا وجماعات، وسبحانه الذى توعد من يفرق المسلمين شيعًا، فقال «وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» الروم:32.
وللحق فإن تهمة ازدراء الأديان الآن صارت تهمة جاهزة سهلة فى يد كل عابر سبيل، مثل الكارت الأحمر فى يد الحَكم غير العالم بأصول اللعبة، فكلما أخطأ لاعب رفع له الكارت الأحمر، بينما كان عليه أن ينبهه أولًا مثلًا، أو حتى يحسبه «فاول، أو بلنتى» لكنه حَكم لا يعرف أصول اللعبة فيستسهل استخدام الكارت الأحمر فى غير موضعه.
كل الطغاة كانوا يقولون إنهم وحدهم يملكون الحقيقة وما غيرهم لا يعرفون ولا حتى يستطيعوا أن يفكروا ليعرفوا ويتعلموا، وعجبًا أن رسولنا الكريم محمد بن عبدالله وهو الموحى له من السماء بما يقول ويفعل، كان أصحابه يراجعونه فى بعض ما يقول ويختلفون معه، ولم يتهم أحدًا منهم بالازدراء أو بالكفر وهم يختلفون مع رسول السماء حتى حين اختلفت معه امرأة من العوام أنزل الله فيها القرآن لينصف ما قالت ويؤكده، أليس فى كل هذا وأكثر ما يدفع محامى الشهرة». وحتى الأزهر ليتريث فى إشاعة هذه التهمة على عباد الله مهما كان وجه الخلاف معهم.
تنص المادة رقم «98» من قانون العقوبات المصرى على أن: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى، لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى»، وتلك هى المادة التى يُعاقب بها إسلام البحيرى الآن، وفاطمة ناعوت، وساويرس، وعادل إمام، والقمنى، وإبراهيم عيسى، ومدرسة مسيحية فى صعيد مصر، ودينا الراقصة، وأحمد السبكى المنتج، وغيرهم من عشرات المصريين والتى يرفعها المحامون فى وجوه المختلفين كما رفع عمرو بن العاص المصحف فى وجه سيدنا على، ليس بهدف حقيقى للاحتكام لكتاب الله ولكن كخدعة سياسية ولهدف آخر غير المعلن.
أتفهم جيدًا أن يخرج بعض الناس لانتقاد هذا أو ذاك لفيلم أو فكرة أو صورة أو برنامج أو كتاب، فأنا شخصيًا انتقدت فاطمة ناعوت فيما كتبت بخصوص احتفال المسلمين بعيد الأضحى، أقول انتقدت واختلفت ولكن أن يتم تقديمها لمحاكمة وتُسجن هذا شىء آخر لا أقبله، ولا يجب أن يقبله كل صاحب رأى، والمصيبة أن هذه التهمة ستصير نكتة حين تصل لتهمة تخص حتى شعبان عبدالرحيم المتهم بازدراء الدين، وتم إخلاء سبيله بكفالة عشرة آلاف جنيه.
أيها السادة لهؤلاء الذين ينصبون أنفسهم حماة الدين والله، والله ما أنتم بحماة لرب العزة، ولا لدينه الخاتم، أو غيره من الأديان، أنتم فقط تسعون وراء مصلحة خاصة بكم أو قمع حسب أهوائكم، فلا الله ولا كتابه ولا رسله بحاجة لكم، ولا أظن أن مصر نفسها فى هذا الوقت أو غيره تنقصكم.