تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أوغندا ومن بعدها إثيوبيا نهاية الشهر الجارى، للمشاركة فى أعمال القمة الأفريقية بأديس أبابا، لتؤكد أن الاهتمام المصرى بأفريقيا يشكل واحدة من أهم الأولويات للسياسة الخارجية المصرية، وواحدة من الدوائر الحيوية والمهمة لمصر بعد سنوات من التجاهل منذ نهاية السبعينيات وحتى رحيل مبارك عن الحكم، وما نتج عنها من مصاعب وأزمات مع عدد كبير من الدول الأفريقية، ومنها دول حوض النيل واتجاه إثيوبيا إلى تنفيذ مشروعها لبناء ما يسمى سد النهضة، ودخول أطراف أخرى مثل إسرائيل وإيران لشغل الفراغ السياسى للدور المصرى.
زيارة الرئيس إلى أوغندا ربما تكون الأولى لرئيس مصرى إلى كمبالا، بما يعنى أن القاهرة فى السنوات الثلاثة الماضية بدأت فى سياسة الانفتاح والعودة إلى مكانها الطبيعى فى القارة السمراء، وما تحمله لها دول القارة من رصيد سياسى واقتصادى وميراث ثقافى ونضالى منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهذا ليس اللقاء الأول بين الرئيس السيسى والرئيس الأوغندى يورى موسيفينى، فهو اللقاء الثانى عقب استقبال الرئيس السيسى له على هامش اجتماعات الجمعية العامة فى نيويورك فى شهر سبتمبر قبل الماضى، وكانت فرصة لمناقشة وبحث أزمة سد النهضة وأهمية تعظيم الاستفادة من مياه نهر النيل، وتحقيق الأهداف التنموية لصالح شعوب دول القارة دون الإضرار بمصالح أى طرف.
زيارة أوغندا يوم 28 يناير الجارى تشهد توقيع اتفاقية إنشاء أول مركز لوجيستى للصادرات المصرية، ليكون نقطة انطلاق للصادرات المصرية إلى أوغندا، وعدد من الدول الأفريقية المجاورة ومنها جنوب السودان. كما أنه يمكن الاستفادة من استيراد اللحوم الحية وإغراق السوق المصرى بها بأرخص الأسعار، بدلا من الاستيراد من دول بعيدة مثل البرازيل أو الهند أو أستراليا أو نيوزيلندا.
الزيارة الأخرى وهى إثيوبيا، تأتى فى ظروف متشابكة ووسط هواجس وقلق ومخاوف المصريين من «النوايا» الإثيوبية تجاه «سد النهضة» وما تم إنجازه من السد وفرضه كأمر واقع على جدول المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، وبالتالى تأتى أهمية الزيارة من عدة جوانب، الأولى أن مصر وربما لأول مرة يحضر رئيسها قمتين أفريقيتين متتاليتين بما يؤكد الاهتمام بأفريقيا وقضاياها والحرص على عودة مصر كدولة رائدة وقائدة، الأمر الثانى، اللقاءات الرئاسية المباشرة بين الرئيس السيسى ورؤساء وقادة دول أفريقيا، وهو ما كنا ندعو إليه فى أيام مبارك، فمن العيب- مع تقديرنا واحترامنا للأشخاص- أن يحضر قمة أفريقية وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، أو حتى رئيس وزراء، ويستقر لدى القادة الأفارقة أن مصر لا تعيرهم اهتماما. الأمر الثالث هو أن الحوار واللقاء المباشر بين مصر وإثيوبيا من شأنه أن يمهد الطريق لحل أزمة السد، ويعطى الانطباع بأن هناك اهتماما رئاسيا مصريا بالقضية، وخلال العامين الماضيين تكررت وتعددت اللقاءات السياسية بين الرئيسين منذ أول لقاء على هامش أعمال القمة الأفريقية بمالابو فى غينيا الاستوائية فى يونيو 2014، عندما التقى السيسى برئيس وزراء إثيوبيا هيلى ماريام ديسالين، وأعلن الجانبان التزامهما المتبادل فى علاقات البلدين الثنائية بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام القانون الدولى وتحقيق المكاسب المشتركة، وقررا تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كل جوانب العلاقات الثنائية والإقليمية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وأكدا على محورية نهر النيل كمورد أساسى لحياة الشعب المصرى ووجوده وإدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبى التنموية، وبعدها بثلاثة أشهر استقبل الرئيس بنيويورك، رئيس وزراء إثيوبيا، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقام الرئيس السيسى بزيارة لإثيوبيا للمشاركة فى أعمال الدورة العادية الرابعة والعشرين لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقى فى يناير 2015، رافقه عدد من الوزراء، وزار رئيس وزراء إثيوبيا مصر لحضور مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى فى مارس الماضى، ثم جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس السيسى للبرلمان الإثيوبى عقب توقيع إعلان المبادئ فى الخرطوم.