هذا الرجل مؤسسة خيرية وأهلية متكاملة، لا يعرفه الإعلام، ولا يعرف السياسة. منذ بداية حياته، ركز جهده فى خدمة مجتمعه ومساندة الفقراء على التعليم والترقى والعمل، وكل ما يمكن تقديمه للنهوض بمن حوله، إنه المهندس صلاح عطية الذى رحل الأسبوع الماضى ومشى فى جنازته مئات الآلاف من أهالى محافظة الدقهلية، فضلا عن آلاف اعترفوا بفضله، وعرضوا أعماله لهم ولغيرهم، ليقدموا مؤسسة خيرية، ونموذجا لرجل خصص أرباحه الضخمة لمن حوله، فعاش فى قلوب الناس.
المهندس صلاح عطية رحل عن 70 عاما وترك وراءه مئات المشروعات الخيرية، وقضى عمره فى خدمة الناس، وتخطت أعماله قريته «تفهنا الأشراف»، مركز ميت غمر دقهلية إلى القرى والمدن، تعليميا وإنسانيا وصحيا، وأطلق عليه الناس «ملياردير الغلابة». فقد أنفق عشرات الملايين على إقامة مدارس للبنين والبنات، وكليات وحضانة وبيوت للطلبة والطالبات ومساجد ومستوصفات، فضلا عن رعاية أسر وسعى ألا يكون هناك فقير بقريته، وتحول إلى القرى المجاورة.
المهندس صلاح عطية- مهندس زراعى بدأ حياته فقيرا، وبدأ مشواره الخيرى منذ أن تخرج وعمل بمشروع دواجن، واتفق مع شركائه على تخصيص %10 من الأرباح للأعمال الخيرية ضاعفها كل عام. ويروى شركاؤه أنهم بدأوا عملهم تسعة شركاء، وأنه قال لهم الشريك العاشر هو الله «سنتاجر مع الله». توسعت مشروعاته، ومع كل اتساع يضاعف من الأموال التى يخصصها لأعمال الخير.
من أشهر أعماله إقامة معهد دينى إبتدائى للبنين، ومعهد للبنات، ثم معهد إعدادى للبنين، وآخر للبنات، ثم معهد ثانوى للبنين، ومثله للبنات، وقرر إنشاء كليات بالقرية، وواجه اعتراضا لعدم وجود محطة قطار ومواصلات عامة، فبدأ فى إقامة محطة قطار بقريته، وسقط الاعتراض، لينشئ أول كلية بقرية صغيرة أصبحت كليتين وثلاث وأربع، وبيت للطالبات المغتربات يسع 600 طالبة، وآخر للطلاب المغتربين يسع 1000 طالب، بل وفر تذاكر مجانية للطلاب والطالبات. لم يتبق فقير فى قريته، ونقل التجربة إلى القرى المجاورة مع مساعدة الفقراء والأرامل ودعم الشباب بمشروعات صغيرة، ورعى الأسر الفقيرة والأيتام واليتيمات، خرج فى جنازته أكثر من نص مليون مواطن من قريته والقرى والمدن المجاورة. فضلا عن ملايين تعرف فضله وتتناقل أسطورته كدرس للأجيال.
وكما قلنا لم يظهر هذا الرجل فى الإعلام، لكنه سكن قلوب محبيه، من كل الفئات والأجيال، ولا تزال سيرته تتردد كواحد من نماذج تقدم جهودها لتنمية وترقية من حولها، واستحق دعوات كل من عرفه. وبدأ الرجل نموذجا، لصناع الخير الذين لا ينتظرون أن تتسلط عليهم الأضواء، أو يوظفون أعمالهم لمكاسب سياسية أو مصالح اجتماعية، بل ربما كان يتحاشاها، وتحدثت عنه أعماله وعاشت فى قلوب الناس.