يذكر التاريخ المصرى القديم، أن أبوفيس، حاكم قبائل الهكسوس الغزاة الذين نهبوا مصر قرابة الـ200 عام، وكان يعيش فى الدلتا، أرسل ذات يوم رسالة إلى الملك المصرى «سقنن رع» يخبره فيها بـ«أن أصوات أفراس النهر الموجودة فى طيبة تزعجه فى الشمال»، والمغزى من وراء هذه الرسالة كان واضحا تماما ولا يحتاج لتفسير، إنها الاستهانة والاستعلاء والرغبة فى إعلان الحرب، نذكرها الآن ونتحدث عنها فخورين غير عابئين بمعناها النفسى الذى عانى منه الفرعون المصرى قديمًا، أصبحت مجرد حكاية بسبب الانتصار العظيم الذى حققه «أحمس» بن «سقنن رع» على الهكسوس وطردهم من البلاد.
هذه القصة التاريخية المثبتة فى كتب التاريخ تحدث الآن بشكل أو بآخر فى أرض محتلة جديدة هى فلسطين، فبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء جيش الاحتلال، يهاجم طوال الوقت بمناسبة وبدون مناسبة الإسلام والعرب، لكن فى الفترة الأخيرة وصل لمرحلة لا يمكن الصمت عليها، حيث قال خلال اجتماع لكتلة «الليكود» فى الكنيست، إن أصوات الأذان فى المساجد بمثابة «ضوضاء تؤذى الأذن»، وأنه لا يوجد أى احترام للقانون فى غالبية البلدان العربية، بما فى ذلك البناء وأصوات المساجد وتعدد الزوجات، أما عن مكبرات الصوت فى المساجد، فقال: «لا يمكننى التسليم بهذا الأمر، فلا يوجد أى نص دينى يبيح إزعاج الناس بمكبرات الصوت، ولا يوجد أمر من هذا القبيل بالدول الغربية أو الأوروبية.. هناك معاناة كبيرة للمواطنين العرب أنفسهم والموجودين قريبًا من المساجد، فهنالك قانون للضجيج فلنقم بتطبيقه».
عندما سمع سقنن رع هذه الرسالة التى بعث بها أبوفيس الذى يسكن فى أواريس الواقعة فى شمال الدلتا على بعد 500 ميل من بحيرة طيبة عرف أنه إعلان حرب، لذا استعد هو وخاض هذه الحرب واستشهد فيها، لكن ابنه الملك أحمس استطاع أن ينتصر وأن يلقى بأعداء الوطن خارج الحدود، لكن اليوم بعد هذه التطاولات التى يقوم بها نتنياهو كل يوم فى حق المسجد الأقصى وفى حق الإسلام والعرب والمسلمين الذين وصفهم من قبل خلال مؤتمر صحفى بأنهم بمثابة حيوانات أليفة، ستظل هذه الترهات موجعة ومؤذية للروح حتى يحدث انتصار يمحو كل هذه الآثام.
الموضوع إذن يحتاج إلى شيئين: رد سياسى قوى ضد هذه التصريحات من ناحية، ويحتاج من الناحية الأخرى ضبطا لأنفسنا ولأدائنا، فهذا التطاول على الشعائر يكشف أننا مسؤولون بطريقة أو بأخرى عن الذى يحدث لهذا التراث، فنحن فى جدالنا الإعلامى فتحنا المجال لكل من يريد أن يتحدث فى الدين ويفتى فيه ويقلل من شعائره أو يزايد عليها خارج إطار من الميثاق الإعلامى، كل ذلك جعل الباب مفتوحا أمام أعدائنا ليخوضوا فى مقدساتنا بعدما خاضوا فى دمنا.