من قال إن الحجاب يتعارض مع الجمال، ومن قال إن الستر فى جرائم الاغتصاب يعنى زواج المغتصب من الضحية؟!
قضيتان أثارتا الجدل مؤخرا وتصاعدت فيهما حدة النقاش والغضب والاختلاف.
القضية الأولى فوز الفتاة المصرية آية الله عادل بمسابقة ملكة جمال المحجبات العرب، والثانية تتعلق بإخلاء سبيل عامل اغتصب فتاة بعد تعهده بزواجها.
ساد الغضب بين الكثيرين إزاء مجرد التفكير فى إقامة مسابقة لاختيار ملكة جمال المحجبات وازداد الغضب بعد نشر صور المتسابقات وظهور عدد منهن بحجاب يظهر نصف الشعر ومكياج صارخ، وانتقد البعض الفكرة من الأساس على اعتبار أن إقامة مثل هذه المسابقة يتعارض مع فكرة الحجاب.
فهل تتعارض فكرة ارتداء الحجاب مع مفهوم الجمال، وهل يعنى قرار الفتاة ارتداء الحجاب أنها ستتخلى عن جمالها، وما تأثير هذا المعنى فى نفوس آلاف بل ملايين الفتيات اللاتى يرتدين الحجاب أو يفكرن فى ارتدائه؟
هل يتعارض الحجاب مع فكرة إقامة مسابقة لملكة جمال المحجبات؟ وهل تعنى مشاركة المحجبات فى مثل هذه المسابقات أن يتخلين عن شروط الحجاب أو جزء منها؟
أرى أنه من الخطورة تصدير فكرة تعارض الحجاب مع الجمال والأناقة وأن الفتاة حين تقرر ارتداءه فإن هذا يعنى تخليها عن جمالها، فهناك الكثيرات من الفتيات اللاتى نراهن يتمتعن بقدر كبير من الجمال والأناقة وهن يرتدين الحجاب ويلتزمن بشروطه.
ومن وجهة نظرى لا يتعارض الحجاب مع إقامة مسابقة لملكة جمال المحجبات، ولكن يتوقف الأمر على شروط المسابقة وأن يكون أساسها الالتزام الفعلى بالحجاب، فمن غير المنطقى أن نرى فى مثل هذه المسابقات فتاة تظهر شعرها أو ترتدى ملابس ضيقة وتضع مكياجا صارخا يتنافى مع الحجاب، ويمكن تحويل هذه المسابقة إلى رسالة تؤكد للخارج والداخل أن المرأة المسلمة والمحجبة يمكنها الالتزام بحجابها فى ذات الوقت الذى تحافظ فيه على جمالها وأناقتها.
أما القضية الثانية التى أثارت الرأى العام، فهى التى ارتبط فيها أمرين متناقضين: مفهوم الستر مع جريمة الاغتصاب، حيث تم إخلاء سبيل عامل 28 سنة استدرج فتاة عمرها 15 عاما لشقته واغتصبها، بعدما تعهد بزواجه منها، وذلك بعد اعترافه بارتكاب الواقعة.
وهى واقعة فى غاية الغرابة وعلى غرابتها فإنها متكررة، فكثيرا ما يتم القبض على الجانى فى قضية اغتصاب ومع اكتمال أركان الجريمة التى تستوجب عقابا شديدا، يلجأ للوسيلة الشهيرة للإفلات من العقاب، وذلك من خلال التعهد بالزواج من الضحية التى يرضخ أهلها خوفا من الفضيحة وتحت دعوى الستر الكاذبة التى يتم فيها قهر الفتاة وانتهاكها للمرة الثانية حتى وإن كانت قاصرا أو من طبقة اجتماعية أرقى من الجانى وهو ما يوقعها تحت رحمته مرة أخرى!!
هذه المأساة تتكرر فى مصر ومعظم الدول العربية بسبب المفهوم المغلوط والمشوه والمتوارث للستر والخوف من الفضيحة والذى يعاقب الضحية ويكافئ الجانى، وهو مفهوم مؤيد ببعض القوانين المختلة أو بخلل فى تطبيق بعض القوانين، وهو ما دفع معظم المنظمات الحقوقية للمطالبة بإصلاح هذا الخلل.
حيث كانت المادة 308 من قانون العقوبات الأردنى تعفى المغتصب من العقوبة فى حال زواجه من الضحية، كما دعت منظمة العفو الدولية الحكومة الجزائرية لإلغاء القانون الذى يجبر الرجل الذى اغتصب فتاة على الزواج منها لإعفائه من العقوبة.
وتحت ضغط المنظمات الحقوقية وافق مجلس النواب المغربى بالإجماع على مقترح قانون يقضى بحذف فقرة من الفصل 475 من القانون الجنائى، الذى يتيح للمغتصب الزواج من الفتاة المغرر بها .
وعلى الرغم من أن القانون الجنائى المصرى كان سبّاقاً منذ عام 1999 وألغى المواد 290-291 المتعلقة بإعفاء المغتصب من العقوبة إذا تزوج المجنى عليها، لكن على الرغم من إلغاء هذه المواد، فما زالت تتم كعرف خوفاً من الفضيحة، إذ كشف مكتب الشكاوى بالمجلس القومى لحقوق المرأة عن أن المادة 17 من قانون العقوبات المصرى تمثل مشكلة حقيقية فى جرائم الاغتصاب، لأنها تعطى القاضى سلطة استعمال الرأفة فى أقصى درجاتها، إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى، وهو ما يتم استخدامه فى بعض جرائم الاغتصاب خاصة مع خوف أهل الضحية من الفضيحة واعتقادهم بأن الستر يستوجب "لم الموضوع" وزواج الجانى من الضحية ولو على الورق فقط أو حتى زواجا عرفيا إذا كانت الضحية قاصرا لم تكمل السن القانونية للزواج الرسمى.
هكذا نعاقب الضحية ونقتلها وهكذا يقترن مفهوم الستر الكاذب مع جريمة الاغتصاب وهكذا نشجع الجريمة، ونكافئ المجرم ونمنحه سبيلا للإفلات من العقوبة ونهدى الذئب بقايا ضحيته الذليلة ليتحكم فيها وينتهكها ما تبقى من عمرها، فهل يستمر هذا الوضع؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة