ضحى حسين تكتب: أليس فى الخيال حياة!

الثلاثاء، 19 يناير 2016 10:00 ص
ضحى حسين تكتب: أليس فى الخيال حياة! أطفال شوارع - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل لك أن تقطع يومك الروتينى المتكرر لبعضٍ من الوقت وتجلس وحيدًا فى غرفة ما وتطفئ جميع الأنوار من حولك وتتخيل معى.

تخيل أن الزمن قد رجع بك بمدة ليست بقصيرة، فلنقل أول يوم لك على تلك الأرض مع أول نفس تنفسته وأول حركة عين لك دون أن تعيى ما يحدث من حولك، ولكن سوف نقوم بتغير بسيط فى تخيلك هذا، حيث يتغير موقعك كمولود ملائكى راقدًا بجانب والدتك إلى مولود ملائكى أيضًا ولكن تلك المرة بجانب قالب كبير من المخلفات فى شارعٍ ما، راقدًا هذه المرة وسط مجموعة من الحشرات التى لايعلمها غير الله، ملتصق بك الحبل السرى الذى يعيطك دليل ما أنك أتٍ من أحشاء امرأة.

بينما أنت فى حالتك البائسة تلك تجد حولك جمع من البشر يرددون عبارات لا تفهم منها شيئًا وكذلك نظرات غريبة مريبة، وإذ أحدهم يحملك برفق ويذهب، وأثناء حالة الصخب تلك ومحاولاتك لفهم مايدور حولك يأتى الاستسلام كحل مريح لعقلك وجسدك وحيرتك.

تمر سنين.. وعقلك مازال فى حالة الاستسلام والرضوخ للواقع المفروض عليك، حيث وجدت نفسك فى مكان ما ليس بالقبيح، بل ع العكس تمامًا، مكان يريح النفس مع أطفال يشبهونك فى نظراتهم وأعينهم وحيرتهم الخفية والظاهرة لك أنت فقط، لأنهم ببساطة شديدة مروا بما مررت به من قبل، يأتى لذلك المكان أشخاص منهم يصبح وجه مألوفًا لك لكثرة تردده عليك، وآخرين تراهم لمرة واحدة، الذى يجمع بينهم نظراتهم المشفقة البائسة لى ولإخوتك- الأطفال الأخرى على أساس إنكو متربيين مع بعض- ويجمعهم أيضًا جملة سخيفة يرددونها كثيرًا: نادينى يا ماما.. تكمن سخافة تلك الجملة فى أن أصبح لديك عشرات الأمهات فى حين أن أصدقائك فى المدرسة لديهم أم واحدة فقط.

وفى يوم ما تسترق السمع من إحدى السيدات المقيمة معك فى ذلك المكان- ماما برده- وهى تتحدث لآخرين عن سلوكك الخبيث وأن عينيك تُنبئ بمستقبل مظلم لا شرف فيه، وتتفاجأ بإحداهن وهى تقول: أومال لما يمشى من هنا هيعمل إيه؟!

سوف تتفاجأ نعم وتفجع أيضًا، وتسأل "أمك" فيما بعد ما معنى أنى سوف أرحل من هنا، أليس هذا بيتي، أليس هؤلاء الأطفال إخواتى- المتربيين مع بعض-، وإلى أين سأذهب؟؟ تستمر فى الأسئلة وتستمر، ولكن يأتى الجواب متمثلًا فى لمسة حنان على كتفك وقبلة على جبهتك فقط.

تمر بك الأيام وأنت على هذا الوضع، وتأتى حفلة عيد ميلادك الثانية عشر المنتظرة وتشعر بأنك ملكت الدنيا لبلوغك ذلك السن المميز، مرددًا بداخلك لقد كبرت، لقد كبرت، وتأتى هدية عيد ميلادك تلك السنة غير متوقعة على الإطلاق، تجد هناك من يُحدثك بكلام غير مفهوم عن ضرورة ترك الدار، ولأول مرة تسمع كلمة الدار، وكلام آخر عن أن هناك أموالا مدخرة لك تساعدك فى حياتك المقبلة، وعن مستقبلك وعملك وعن وعن.

فإذ بك عزيزى تجد نفسك أمام باب الدار لكن هذه المرة من الخارج، وفى يديك أموالك التى قد تصبح رفيقتك الوحيدة، وأمامك طريق مظلم لا يوجد خيار غيره، تسأل نفسك والخوف يحتويك ماذا أفعل الآن؟ أين كل ماكان حولى منذ دقائق؟ أين إخوتى، ولماذا سلكوا طرقًا أخرى متفرقة؟ أين أمهاتى الكثيرة؟ أين، وكيف، وما، وماذا..... لكن لن تجد أسئلتك تلك طريقها، ولن تسمع صوت غير صوت أنفاسك المرتجفة.

تلك النهاية، أطلب منك عزيزى القارئ فتح عينيك الأن، فتلك حقًا النهاية، انتهت رحلتنا القصيرة الخيالية.

أريد فقط أن أخبرك بأن ذلك كله لم يكن خيالًا، بل واقع يحدث كل يوم لطفل لقيط يائس عوقب بتلك الطريقة غير الآدمية لذنب لم يرتكبه، ذنب أن لا أهل له، ولكن المصيبة تكمن فيما سوف يرتكبه من ذنوب-حين يصبح شابًا- قد تكون شنيعة كرد فعل لما حدث له فى الماضى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة