التفكير يوما بعد يوم فى تركيبة البرلمان، والتشريح النوعى والفئوى للنواب والعمرى أيضا، يدفعنى فى بعض الأوقات للتأكد من أننا أمام برلمان «سمك، لبن، تمر هندى» وفى أوقات أخرى أننا برلمان يضم نوابا بعدد أصابع اليد، مثيرين للجدل وفى المقابل العشرات المفيدين للوطن بعلمهم وتفكيرهم وحرصهم على الوقوف إلى جوار الدولة بالنقد البناء والنصح الدائم، والطرح المستمر لحلول جادة للمشكلات اليومية.
من بين ما يضم المجلس اسمين فى غاية الأهمية من الشباب، وأسباب الثقل النوعى لهما متباينة ولكنها تندرج تحت لواء واحد هو «المشروع الدينى الجديد»، الأول هو الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية والمعين فى البرلمان بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسى، والثانى هو الدكتور أحمد خليل خير الله، عضو حزب النور.
خليل والأزهرى يصنفان من جيل الشباب ويرفعان لواء «قضايا الدين» فى المرتبة الأولى ضمن اهتماماتهما تحت قبة المجلس، وكلاهما يمثل تحديا للجهة التى جاء منها، الأزهرى هو نموذج تجديد الخطاب الدينى من قبل القيادة السياسية، يظهر فى البرامج ويكتب مقالات مستمرة ويقدم أبحاثا علمية لتحقيق الهدف وكل ما ينشره تحت المجهر ومحل اهتمام نوعى باعتباره «مشروع شيخ أزهر» فى المستقبل، وفى المقابل أحمد خليل خير الله هو نموذج الدعوة السلفية فى ثوبها الجديد، بعيدا عن الثوابت الصلبة، يتحدث عن نفس قضايا تجديد الخطاب بشكل مختلف ويجسد هو أيضا تحدى الدعوة السلفية فى المستقبل ورهانها فى السنوات المقبلة.
كلاهما تخرج من مدرستين مختلفتين، الأزهرى ابن مشيخة الأزهر، وخليل ابن الدعوة السلفية، الأزهرى تتلمذ على كبار أئمة الجامع الأزهر، بينما تتلمذ خليل على يد الدكتور محمد إسماعيل المقدم منظر الدعوة السلفية بالإسكندرية، للأزهرى مؤلفات تفوق ما كتبه خليل، بينما لخليل محاضرات تفوق ما قدمه الأزهرى، وللأزهرى مريدون من شباب الأزهر باعتباره مجدد الدماء فى الجامعة، بينما للخليل مريدون من شباب التيار الإسلامى والسلفى باعتباره مجدد دماء الدعوة السلفية وصاحب مدرسة جديدة يكسر من خلالها تابوهات قديمة.
بهدوء.. لماذا أجرى مقارنة، بين الأزهرى وخليل؟ ببساطة لأننا أمام نموذجين لشباب لديهم من العلم الشرعى بمدارس مختلفة ويجتمعان تحت قبة مجلس واحدة فى برلمان هو الأهم فى تاريخ الأمة، كصحفى مهتم بالشأن السياسى سأتابع يوميا أداء الأزهرى وخليل وأرصده عن قرب، لأنه يعكس لى الحراك الفكرى لاثنين من أبناء مؤسسة الأزهر والدعوة السلفية، سأراقب مساحات الاقتراب والابتعاد، الاختلاف والاتفاق، المشاورات الجانبية، الجدل والمناقشات أولا بأول، لأن نتيجتها هو مضمون ما نسعى إليه من تجديد دينى يطالب به الرئيس وتردده النخبة فقط دون أن يوضح لنا أى طرف ما هو الخطاب الدينى وما هى ملامحه وكيفية تنفيذه.
لم أتذكر فى بداية المقال أن أحدثك بأن خليل كان نائبا سابقا فى برلمان 2012 وذكى فى لعب السياسة، بينما الأزهرى يرفضها على الإطلاق ولا يعتبر الساسة ملعبه، ولكن تبقى المفارقات مستمرة فى البرلمان، ولا أعلم ما إذا كانت هناك بينهما صداقة أم لا؟ ولكن بات واضحا أنهما يتقاسمان بعض الصفات المشتركة من حسن استخدام اللغة العربية والقدرة على الإقناع والحديث لفترات طويلة دون أن تصاب بالملل، فضلا عن القاعدة العلمية الشرعية.
ماذا يجرى فى المستقبل؟.. راقبوا معى أداء الأزهرى وخليل.. تصرفاتهما وكلماتهما تحمل دلالات نوعية عن مستقبل التيار الإسلامى والخطاب الدينى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة