بعد سنوات عديدة قضاها المهندس محمد أبوسعدة رئيسا لصندوق التنمية الثقافية أصدر الكاتب الكبير حلمى النمنم، وزير الثقافة، قرارا بتوليه مسؤولية الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وفى الحقيقة فإن هذا الجهاز على خطورته فقد ابتلى منذ إنشائه بإهمال غير مبرر من الحكومات المتعاقبة على مصر، فهذا الجهاز هو المسؤول عن الحفاظ على تراث مصر المعمارى والحضارى، وهو أيضا المسؤول عن التخطيط السليم والتصميم الجمالى لشوارع مصر وميادينها، أو بعبارة أخرى هو المسؤول عن الوجه المشرق لمصر، لكنه للأسف لم يفعل شيئا يذكر منذ إنشائه وهذا بسبب تعنت «المحليات» وعدم اعتراف الوزارات المختلفة بأهميته، وهذا ليس بجديد على مسؤولين لم يتربوا على احترام الجمال ولم يجتهدوا فى إضفاء لمسة جمالية لحياتنا وتركونا غارقين فى العشوائيات والقبح حتى صارت القاهرة التى كانت تحصل على المركز الأول فى ترتيب العواصم الجميلة فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى موبوءة بقلة الذوق وموصومة بالخراب والعشوائية والإهمال.
لو كنت على رأس الحكومة المصرية لأوليت هذا الجهاز أهمية قصوى، لأنه، كما قلت، هو المسؤول عن إبراز وجه مصر المشرق، فحينما تزور أى دولة من الدول فإن أول ما يسترعى انتباهك هو مدى جمال شوارعها وبراعة ميادينها وتلبيتها لمتطلباتك الحياتية والجمالية، وبناء على هذا يتشكل انطباعك عن هذه الدولة ويكون هذا الانطباع «أخطر» لو كنت مستثمرا أو سياسيا أو صحفيا، فما تراه فى هذه الشوارع ينعكس إيجابا أو سلبا على قرار استثمارك إن كنت مستثمرا أو قرارك السياسى إن كنت سياسيا أو كتاباتك إن كنت صحفيا، ولو كنت متابعا للصحافة الأجنبية لعرفت أن أكثر الصور السلبية التى تشكلت عن مصر وشعبها لم تأت من القرارات السياسية أو الإرهاب أو الحالة السياسية بوجه عام، لكنها تشكلت وفق ما يراه السائح أو الصحفى أو المستثمر فى شوارعنا من إهمال وقبح.
لا أخفى عنك تفاؤلى بتولى المهندس محمد أبوسعدة مسؤولية هذا الجهاز المهم، فهذا الرجل استطاع فى ثمانى سنوات أو يقيم أنشطة فعالة ومشاريع ناجحة فى صندوق التنمية الثقافية الذى كان قاسما مشتركا فى معظم المشاريع الثقافية الكبرى التى أقامتها مصر فى فترة تولى الوزير الفنان فاروق حسنى، ولا أبالغ إذا قلت إنه كان من بين القطاعات القليلة التى عملت بكفاءة قبل يناير 2011 وبعده، لكنى أيضا لا أخفى عنك ارتيابى فى قدرة «أبو سعدة» على القيام بمهمته الخطيرة، لا لعيب فيه، ولكن لخوفى أن يتم التعاطى مع هذا الصندوق الآن كما تعاطت معه الحكومات المصرية فى السابق، وفى الحقيقة فإن إنشاء هذا الصندوق كان أمرا غاية فى الأهمية والوعى والإدراك من جانب وزارة الثقافة فى أيام تولى الوزير السابق فاروق حسنى، الذى أدرك ما للثقافة البصرية من أهمية وجدانية واستثمارية، لكننا للأسف أهملنا هذا المشروع وتركناه تائها فى دهاليز الحكومات والمحليات، فهل تنتبه الدولة إلى ما فاتها فى السابق؟ أتمنى.