فى الزمن الأزمة يكون الإنسان فى عرض كلمة واحدة تصل به لبر الأمان أو تفتح له طاقة من الأمل يمكنه البدء من خلالها، وفى السنوات الأخيرة عانت مصر من أزمة سياحية، حيث أصبح المردود السياحى لا يتناسب مع حجم المناطق الأثرية التى تملكها مصر، وأرجع البعض كل ذلك للظروف الأمنية التى حدثت منذ ثورة 25 يناير 2011، لكن فى الحقيقة هذا السبب وحده ليس كافيا لهذا التراجع، فطريقة تعاملنا مع الآثار تكشف عن غياب الاهتمام الحق بهذه الكنوز.
فى تقرير بالصور نشره «اليوم السابع» عن مسجد الصالح أيوب فى محافظة الدقهلية الذى تم بناؤه سنة 1243م، فى عهد الصالح نجم الدين أيوب، آخر الحكام الأيوبيين، بمدينة المنصورة «جزيرة الورد»، ويبلغ عمره 773 عاما، وهو تقريبا عمر مدينة المنصورة، هذا المسجد الذى تأثر بشكل كبير بعد تفجير مديرية أمن الدقهلية فى ديسمبر 2013، لم يدخل بعد فى عداد الآثار رغم الـ800 سنة التى قضاها على ظهر الأرض المصرية، ومسؤولو الآثار لا يشعرون بالذنب وهم يخبرونك بذلك.
وفى الإسكندرية أمس الأول تم هدم فيلا «جوستاف أجيون» التى كانت تعيش فيها زينب الوكيل زوجة النحاس باشا التى كانت هناك محاولة لهدمها منذ ثلاث سنوات، لكنها توقفت، وصدر قرار من مجلس الوزراء بضمها للمحافظة، هذه الفيلا تم بناؤها عام 1922 على يد «أجيون» رائد استخدام الخرسانة المسلحة فى إنشاء المبانى على مستوى العالم، ويزيد عمرها على 90 عامًا، وبالطبع هى تدخل فى نطاق المبانى ذات الطابع التاريخى، ومع ذلك سارعت الآثار وأعلنت أنها ليس أثرا، بينما جهاز التنسيق الحضارى اختلط عليه اسم الفيلا وما زال يبحث عن الاسم الحقيقى.
الحادثتان تكشفان استهانة غير متناهية بالتاريخ المادى فى مصر، وتطرح سؤالا مهما كيف نطالب الآخرين باحترام آثارنا وزيارتها والترويج لها عالميا، بينما نحن نتعامل معها بهذا الشكل المتردى؟ وسؤالا آخر حول عدد المبانى التاريخية العريقة الموجودة فى ربوع مصر التى لا تدخل فى عداد الآثار لكون الوزارة لم تنتبه لها، أو لأن قانون الآثار لا ينطبق عليها، لذا فإن القانون المتعلق بالـ100 عام التى يحتاجها المبنى كى يصبح أثرا يحتاج إلى تغيير واضح وسريع.
كما تكشف هذه الأمور عن طريقة المسؤولين فى التعامل مع الكوارث، فالجميع يعتمد التبرئة، وزارة الآثار تفرح لكون المبنى لم يدخل تحت إدارتها حتى الآن وتحمد الله، وربما تتمنى أن يظل بمشكلاته بعيدا حتى لا تصبح مسؤولة عن ترميمه أو الترويج له ورعايته.
لذا علينا أن ندرك جيدا أن الآثار فى مصر ليست الفرعونية فقط فالقبطية والإسلامية والمبانى التاريخية وحتى المعاصرة منها لو امتلكت شكلا حضاريا، ولو تمت العناية بها، فسوف تدر دخلا أيضا، وتقدم تنوعا يؤكد ثراء الحضارة المصرية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة