تعاطفت بشدة مع دموع شعبان عبدالرحيم، وهو يبكى ويقول «أنا معملتش حاجة، ويقولوا عليا إنى بغلط فى القرآن، دى حاجة كبيرة زعلتنى أوى، لأن مينفعش أعمل كده، أنا تعبت من ساعة الاتهامات دى، أنا شتمت اللى أساؤوا للرسول فى الدنمارك، وعملت أغانى هجوم عليهم، وعملت أكتر من أغنية بأن المسيحيين والمسلمين إخوات».. وشعرت بالضيق الشديد من الأزهر الذى سن أسنانه على مواطن غلبان، يغنى ويعيش ويأكل ويشرب على سجيته، مثل غالبية المصريين، وقدم ضده بلاغا للنائب العام يتهمه بالسخرية من القرآن والتطاول على الأزهر وازدراء الأديان.
حسنًا فعل شيخ الأزهر حين طلب من الإدارة القانونية سحب البلاغ، ولكن ماذا كان يحدث إذا لم ير شيخ الأزهر شعبان وهو يبكى مع وائل الإبراشى، وهل من المقبول أن يمسك بعض علماء الأزهر كرباجًا يلهبون به ظهور العباد، حتى لو ارتكبوا أخطاءً بسيطة بعفوية وحسن نية، وكيف طاوع كاتب البلاغ قلبه، وهو يتهم إنسانا بسيطا على سجيته بهذه الاتهامات التى تقوده إلى المؤبد، وهو يعلم جيدا أنه لم يخطر بباله حكاية الازدراء والسخرية والتطاول.
أقول لعلماء الأزهر الأجلاء: افتحوا قلوبكم وعقولكم للناس، وخاطبوهم بلغتهم التى يفهمونها، وإذا أخطأ إنسان بحسن نية فالله غفور رحيم، فلن تتحقق حماية الإسلام والحفاظ على ثوابته بالبلاغات والبهدلة فى النيابات والمحاكم، وإنما بالمحبة والموعظة الحسنة، ولين الكلام والتسامح والمودة، وكلها أمور تحض عليها تعاليم ديننا الحنيف، بالترغيب وليس الترهيب، وبتثبيت الإيمان فى القلوب وليس تنفيرهم منه.
ليت علماءنا الأجلاء يتحركون، بنفس السرعة التى تحركوا بها ضد شعبان، فى أمور حياتية خطيرة، أبرزها تجديد الخطاب الدينى، لإعادة تصحيح المفاهيم الخاطئة، وإنقاذ آلاف الشباب الذين يقعون رهائن للتشدد والتطرف، وبدلاً من رفض الأزهر تكفير «داعش»، بزعم أنهم يرفعون الآذان ويقيمون الصلاة، كنا ننتظر رأيا شرعيا ليس بإخراجهم من الإسلام فقط، بل من كل الأديان السماوية، حتى لا نترك ثغرة ولو كانت فى حجم خرم إبرة، لمتطرف يلعب بعقول الشباب، ويبشرهم بدخول الجنة ولقاء الرسول وبنات الحور، بعد أن يفجروا أنفسهم فى العساكر والضباط أبناء وطنهم ودينهم.
ما أتحدث عنه أكبر بكثير من خطأ شعبان ودموعه، ومن الاتهامات التى استخدمها بلاغ الأزهر، قبل سحبه، فلم تسقط ومازالت سيفا مسلطا على الرقاب، خصوصا «ازدراء الأديان» التى تتطلب معايير ثابتة ومحددة، وليس اتهامات مطاطة ومرسلة، وحرى بالأزهر أن يتصدى لشيوخ الفتنة الذين يسخرون من الأديان الأخرى، دون أن يحرك ساكنا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المناظرات التى تملأ الكتب والأشرطة ومواقع التواصل الاحتماعى، وتثير الفتن بين الإسلام والمسيحية.
أتصور أن معركة الأزهر الكبرى، يجب أن تكون تنقية الأجواء من سحابات الفتاوى السوداء، التى تمطر علينا بالليل والنهار، ولا تترك لنا أى فرصة للتنفس، فقد اخترعوا لكل شىء فتوى، ابتداء من دخول المرحاض، حتى معاشرة الصغيرات والتبرك ببول الجمل وشفاء السرطان بالحبة السوداء، وتسرى هذه الأفكار البلهاء فى الناس مسرى النار فى الهشيم، فى ظل سياسة صمت القبور التى تخيم على مؤسستنا الدينية العريقة، التى كنا نباهى بها الأمم والشعوب.