هل الصين بديل عن الولايات المتحدة ومساند لعلاقاتنا مع روسيا؟.. بعد 30 يونيو اختارت مصر توجها سياسيا جديدا تجاه الخارج، فلم تعد تعتمد سياسة الباب الواحد، وإنما عددت من توجهاتها الخارجية، فالعين لم تعد قاصرة على واشنطن فقط، وإنما أخذت فى تنويع خياراتها الخارجية، وكانت الصين وروسيا من أولى الدول التى كانت تحت المنظار المصرى، ليس لأنهما غريمتان للولايات المتحدة، وتنافسان واشنطن سياسيا وعسكريا، واقتصاديا بعض الشئ، خاصة التنين الصينى الذى يهدد الاقتصاد الأمريكى، بل اختارت القاهرة التقارب مع موسكو وبكين من باب التنويع والانفتاح على الجميع بناء على المصالح المشتركة والأهداف المصرية فى الأساس.
فى كل زيارة لمسؤول مصرى إلى أى من العاصمتين أو زيارة مسؤول روسى أو صينى للقاهرة يطرح البعض الفكرة التقليدية التى تنفيها الدوائر الرسمية المصرية دوما، بأن مصر تستبدل موسكو وبكين بواشنطن، رغم علم من يروجون لهذه الفكرة بأنها بعيدة تماما عن العقلية المصرية، والفكر الروسى الصينى أيضا، لأن التنافس بين واشنطن وموسكو وبكين لا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة، كما أن مصر لا تدخل فى عداء مع الولايات المتحدة حتى تغلق باب الحوار والتعاون معها وتفتحه مع العاصمتين الأخريين، فالحوار المصرى الأمريكى قائم بل إنه يأخذ منحنى جديدا قائما على تبادل المصالح وليس الانصياع لمصلحة واحدة أو رأى واحد، وهناك زيارات متبادلة بين المسؤولين الأمريكيين والمصريين، ربما لم تصل بعد إلى تبادل الزيارات الرئاسية، لكنها مسألة وقت وربما لا تعبر عن خلاف بقدر أنها تشير إلى الفكر المصرى الجديد الذى لا يقبل إلا بما يضمن تحقيق مصالحه.
نحن إذن أمام تكامل للمصالح والعلاقات مع الجميع، فالصين وروسيا لهما مصالح مع مصر باعتبارها المفتاح الرئيسى لحل أزمات المنطقة، كما أنها بوابة مهمة للمنطقة ولأفريقيا، وسوق كبيرة بها 90 مليون مستهلك، ولدى القيادة المصرية الرغبة فى الاستفادة من كل الخبرات والإمكانيات التى تتمتع بها الدول الأخرى قدر المستطاع، كما أن مصر تعمل على تطوير بنيتها الأساسية وتنويع مصادر تسليح القوات المسلحة، ويمكن الاستفادة من التصنيع الروسى والصينى فى هذا المجال، وفى مقابل ذلك فإن مصر لها مصالحها الخاصة سواء الاقتصادية والسياسية أيضا.
هذا التبادل هو ما يعطى لزيارة رئيس الصين تشى جين بينج للقاهرة اليوم زخما خاصا، فالرئيس عبدالفتاح السيسى مهتم بالزيارة والقمة الصينية المصرية التى ستعقد غدا الخميس، التى تعد اللقاء الخامس بين السيسى وجين بينج، وكلف السيسى الحكومة منذ فترة الإعداد الجيد لهذه الزيارة وتم تشكيل وحدة الصين فى رئاسة الوزراء، حددت ما تحتاجه مصر من الزيارة وما يمكن أن يتم تقديمه من فرص استثمارية لرجال الأعمال الصينيين الراغبين فى الاستثمار بمصر وتحديدا محور تنمية قناة السويس الذى ينال اهتمام الصين ككل باعتباره مسارا مهما فى استراتيجية طريق الحرير الذى تعمل الصين على إحيائه لربط التجارة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا مجددا، ومصر مسار مهم فى هذه الاستراتيجية.
زخم مصرى كبير لا يمكن تفسيره إلا بأن القاهرة تحسن استقبال من وقفوا بجانبها فى الأزمات التى تعرضت لها، فالصين كانت من أوائل الدول التى أعلنتها صراحة رفضها التدخل فى الشؤون الداخلية لمصر، وأن من حق المصريين اختيار من يحكمهم، ورفضت بكين الهجمة الغربية على مصر بعد 30 يونيو، بل إن الصين وضعت مصر فى مقدمة الدول الحليفة لها، وتكفى هنا الإشارة إلى أن الرئيس تشى جين بينج دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى كضيف شرف لقمة العشرين التى ستعقد بالصين سبتمبر المقبل، وسبق أن دعت سفير مصر فى بكين مجدى عامر للمشاركة قبل أسبوع فى الاجتماع الأول للممثلين الشخصيين لرؤساء دول مجموعة العشرين، وهذه هى المرة الأولى التى تقوم فيها دولة الرئاسة بدعوة دولة غير متاخمة لها جغرافيا كضيف شرف للقمة، وهو ما يعكس بوضوح عمق العلاقات التاريخية بين مصر والصين، ويؤكد مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
هذا هو أحد أسباب الزخم المصرى لاستقبال التنين الصينى الذى يصل القاهرة اليوم وعينه على مصر الجديدة، التى لا تنظر للماضى إلا للاستفادة منه، لكنها تعتبر المستقبل هو الهدف، وهذا المستقبل لن يكون إلا بإرادة مصرية خالصة دون التأثر بآراء الآخرين مهما كانت قوتهم، وأن مصر تعى قدرة كل دولة، لكنها تتعامل مع الجميع وفق المصالح المشتركة، والمصالح المصرية هى الخيار الأساسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة