لماذا لا ندرس تاريخ المحافظات؟
أكتب هذا المقال والعمل يدور بمعابد الأقصر على قدم وساق من أجل الإعداد للحفل الرفيع الذى تقدمه دار الأوبرا المصرية ابتهاجا بافتتاح العام الثقافى المصرى الصينى، وقد تشاركت جميع مؤسسات الدولة من أجل إظهار مدينة الأقصر (طيبة) فى أحسن صورة، وفى الحقيقة فإن سعادتى تزيد كلما لجأنا إلى الآثار المصرية القديمة لنظهر فى صورة حضارة يحترمها العالم، وسعادتى كانت أيضا لا توصف باستقبال الرئيس الصينى (شى جين بينج) فى الأقصر ليجلس بجوار الرئيس عبدالفتاح السيسى ليمثل الرئيسان أعرق حضارتين فى العالم، فى رسالة شديدة التميز موجهة إلى العالم أجمع، فالحضارة هى الباقية، وما دون ذلك إلى زوال.
لنا الحق بأن نفتخر بأجدادنا الذين تركوا لنا ما يمنحنا ثقلا عالميا وتميزا حقيقيا وشكلا لا تخطئه العين، وفى الحقيقة فإننا إذا ما أمعنا النظر فسنجد أن كل حى فى مصر له مذاق، وكل محافظة لها ما يميزها من معالم أثرية أو قصص تاريخية أو بطولات وطنية، ولا أعرف حتى الآن لماذا لا ندرس فى كل محافظة تاريخ هذه المحافظة لأبنائها، لتنمية الشعور بالانتماء إلى المكان الذى يولد فيه المرء فيزيد حبه له ويزيد انتماؤه له؟
فى كل منطقة طاقة نور لا نحسن استغلالها ولا نستثمر فيها، والنتيجة أن غالبية المصريين لا يعرفون شيئًا عن حضارتهم ولا عن تاريخهم حتى ذلك التاريخ الذى يعيشون فى كنفه، ولأن الناس أعداء ما يجهلون، فلا عجب إن وجدت الكثير من المصريين يتعاملون مع آثار بلدهم وتاريخها بعدوانية كبيرة، فالجهل بالشىء يولّد عدم احترامه، وعدم الاحترام يولّد الازدراء.
أعرف أن فكرة تدريس تاريخ الأحياء وآثارها فكرة ربما يعدها البعض صعبة التحقيق، وذلك لأننا مصابون بآفة «المركزية»، لكنى فى الحقيقة لا أعتبرها مستحيلة، فسهل على كل محافظة أن تلزم مدارسها بتدريس هذه المادة، وأن يتم إعداد منهج دراسى يسير عن تاريخ كل حى على حدة، وأن يتم تدريس هذه المادة فى سنوات النقل فى المرحلة الإعدادية (فى السنتين الأولى والثانية) على أن تكون مادة أساسية فى كل محافظة، وبذلك نتغلب على «المركزية» وعلى الجهل دفعة واحدة.
أنا على يقين تام من أن حب البيت يبدأ من حب الأم، وحب الحى يبدأ من حب البيت، وحب المحافظة يبدأ من حب الحى، وحب الوطن يبدأ من حب المحافظة، وعلى الدولة أن تغذى جميع أوردة الحب فى شرايين أبنائها، لأن الحب هو المسؤول الأول عن بناء الشخصية السوية التى تحب الحياة وتكره الشر، وما أحوجنا إلى إفشاء الحب بيننا وجعله مشروعا قوميا يبدأ من كل شارع فى مصر، لتصبح جميع أحيائنا «مفخرة» لأبنائها، تماما مثل الأقصر الآن!