لم ينجح وزيرا التخطيط والمالية فى إقناع أعضاء مجلس النواب بمزايا قانون الخدمة المدنية، كما لم ينجحا من قبل فى إقناع الموظفين أو الرأى العام، اقسما بأغلظ الايمان انه لا مساس بمرتبات الموظفين، فحدث المساس ودفع الصغار قبل الكبار الفاتورة، ووعدا بثورة تهز الجهاز الإدارى وتحدثه وتطوره، فلم يحدث شىء وبات واضحا أن الهدف هو الجباية، وتوفير بعض مليارات من جيوب الموظفين.
لا يجب أن نسلم بأن البرلمان رفض القانون، لأنه يغازل الشارع لإرضاء الموظفين على حساب المصلحة العامة للدولة، يا ليته يكون كذلك، فمصلحة الدولة لا تتحقق إلا برضا الناس وارتياحهم، وإشاعة أجواء من العدالة والمساواة.
وبمناسبة العدالة والمساواة، لم نر الوزيرين المتحفزين للموظفين، لديهما نفس الحماس بالنسبة للحد الاقصى للأجور، وفشلا فى صياغة قانون يحجم جنون المرتبات، ففى هذا الوطن من يتقاضى مليونا أو نصف مليون شهريا، وعندما أراد الرئيس أن يضع حدا أدنى خمسين ألفا، قامت الدنيا ولم تقعد وصدرت أحكام متتالية تلغى الحد الأقصى ومن حق الموظفين الذين يرون أن قانون الخدمة المدنية أصابهم بالضرر، أن يقولوا "اشمعنى"، هما مش قادرين على الأقوياء وجايين علينا ؟.
منذ بداية صدور هذا القانون وهو مصدر للمتاعب، وحاولت الحكومة بكل وسائل الترغيب والترهيب، أن تجبر النواب على الموافقة، ولكنهم رفضوا حتى لا يوصموا بالخنوع والاستسلام، خصوصا عندما يقترب حد السيف من لقمة العيش، وأثبت كشف الاختبار الأول أن نواب "دعم مصر" لن يدعموا إلا ما يخدم مصر، ولن يكونوا حزبا للحكومة، أو مدافعين عن أخطائها ومبررين لفشلها، بما يعنى أن الأيام القادمة ستشهد تراشقا مستمرا بين الحكومة والنواب، تتصاعد حدته كلما اقتربت القوانين والتشريعات من مصالح الناس.
لا أصدق ولا تصدقوا فزاعة عدم صرف المرتبات، اول الشهر القادم بعد رفض القانون، والترويج لهذا الامر جريمة لان البلاد تمر بمرحلة صعبة وحساسة، تتطلب لم الشمل والهدوء وكسب ود الرأى العام، وليس التهييج والإثارة وزيادة رقعة الغضبين، فقرابة ثلث المجتمع المصرى هم الموظفين وأسرهم وعائلاتهم، ولا تستطيع اى حكومة مهم بلغ جبروتها ان تؤدبهم بالحرمان من المرتبات، بسبب رفض البرلمان لقانونها الفاشل، ومن يروج لذلك يلعب بالنار ويوقظ فتنا نائمة.
والحل هو أن تحدد الحكومة أولا: هل هى تريد اصلاح النظام الادارى للدولة، ام التوفير والجباية لسد العجز فى الموازنة ؟.. إذا كان الهدف هو الاصلاح فلابد من برنامج متدرج، لان المشكلة متراكمة ومزمنة منذ قرن من الزمان، ولن يستطيع "العربى" أن يحلها بين يوم وليلة، بقوانينه النظرية التى لا تراعى تعقيدات المشكلة على ارض الواقع.. واحده واحده.. بهدوء وبدون استفزاز.. ربنا خلق الدنيا فى ستة أيام.. الموظفين غلابة مهما خدوا.. الغلاء مش سايب حاجه للناس.. اتشطروا على الكروش الكبيرة، إذا أردتم الإصلاح.