ضجيج المدعين والأصليين فى ذكرى يناير
بما أننا تكلمنا عن دور الأفراد فى التغيير، وضربنا أمثلة بأشخاص كل منهم فى اتجاه مختلف، يبادر ولاينتظر، نتكلم أيضا عن صناع «الدوشة» ممن يثيرون ضجيجا، ليظهروا وكل منهم يزعم زعامته للتغيير والثورة، وهم يتصارعون لكتابة تاريخ أحداث لا تزال قائمة، وأن التاريخ لا يكتب بين يوم وليلة.
وإذا كنا قد ذكرنا قصص الثرى الذى يصنع الخير لتنمية الفقراء وبناء مدارس ومصانع، أو السيدة التى تواسى وتدعم المساجين وتربى الأجيال، أو المسؤول الذى يقوم بعمله، ويصبح عملة نادرة ونموذجا يطالب الناس بأن يتكرر، فى المقابل هناك صناع الدوشة ممن يثيرون الكثير من الضجيج، لإثبات ما لا يمكن إثباته، أو يقدمون أنفسهم على أنهم زعماء، بينما الحدث تخطاهم، ويرفضون الاعتراف بأنهم فاشلون بسبب التنافس على الزعامة، فنرى «عالم الحيوان» يقدم كلا منهم نفسه كصاحب أفكار وابتكارات، مع أن كل منهم «لم ينفع نفسه».
هناك شخصيات كثيرة تقوم بأدوار مهمة اجتماعيا وإنسانيا من دون أن تعلن عن نفسها، وربما ترفض الإعلان والصور والكاميرات، على العكس من نماذج وأفراد يبالغون فى تضخيم صورهم وأدوارهم، ليحتلوا مكانا أكبر كثيرا مما قدموه فى الواقع، وبعضهم يقدم كوكتيلا من الادعاء لدرجة العبط، فينطلق فى تصريحات كل يوم بحثا عن كاميرا أو مداخلة، يمارس فيها العادة السياسية الضجيج الفارغ.
وأبرز مثال على الصجيج بلا فعل، مجموعة شهادات يتنافس فى نشرها بعض من عينوا أنفسهم زعماء لثورة يناير أو يونيو، يسجلون شهادات مبالغا فيها أو مكذوبة، ويتصور كل منهم أن التاريخ يكتب ببعض الصور والشهادات، مع أن أغلب هؤلاء ليس لهم أى نشاط ولا بصمات باستثناء صور ومناظر وأصوات عالية من دون فعل حقيقى أو إنتاج من أى نوع، بعضهم مصاب بهوس نفسى وبارانويا أحيانا.
وبما أننا فى يناير، وبعد أيام تحل السنة الخامسة، ما زلنا نرى جدلا عقيما خاليا من المنطق، حول تقسيم نتائج أو تسجيل مواقف، بين طرفين يتصور كل منهما أنه المسؤول عن الجمهور والشعب، ويفتى ويعيد ويكرر ادعاءات ومزايدات وتهويل، من دون أن يجلس كل طرف من هؤلاء بدلا من الادعاء الفارغ بأنهم صناع الثورات وزعماء الليالى والنهارات، ليفكروا فى إعادة تقييم أدوارهم وأخطائهم أو مميزاتهم أيها أقرب، لأن استعادة ذكرى يناير لا تتم بين ليلة وضحاها أو خلال سنة أو خمس سنوات، وهناك أحداث وتواريخ ما زال الخلاف حولها قائما بعد عقود طويلة، منها الثورة الفرنسية التى تخطت القرون أو الروسية التى لا تزال بعد 70 عاما تخضع للتقييم.
وما زلنا ندير جدلا حول الماضى لاعلاقة له بالمستقبل، وهذا هو الفرق بين أصحاب المبادرات فى السياسة أو المجتمع، وبين أصحاب الدوشة الفارغة.