بعضهم عبد «البشر» والآخر قدس «الحجر»
كلما اقترب موعد الذكرى الخامسة لأحداث 25 يناير، شعرت بظهور «غربان» هذا اليوم الذى تحول إلى يوم للشتائم والاتهامات والانقسام والغرور الذى ركب إخوانا بتوع التحرير، والممتد حتى الآن، والذى وصل إلى تقديس الحجر والبشر، فتارة عبد هؤلاء أمثال البرادعى، وحج آخرون إلى ميدان التحرير واعتبروه كعبتهم المقدسة، ومع كل احتفالية يعود هؤلاء الغربان للظهور مرة أخرى، ولأننا شعب لا يملك إلا الكلام، فإننا فى أعقاب مظاهرات 25 يناير2011 وخلع مبارك فوجئنا بكل من وقف فى ميدان التحرير، أو صعد على إحدى منصاته، أو هتف بعبارة «يسقط يسقط حسنى مبارك» ينصب نفسه زعيمًا، ويختار لنفسه لقبًا، فهذا «أبوالثوار»، وآخر «خطيب الثورة»، وثالث «مؤذن الثورة»، ورابع يختار لنفسه «أبوالشهداء»، وللأسف كان الإعلام وقتها منسحقًا أمام هؤلاء، يردد كالببغاء هذه الألقاب على هؤلاء الفشلة والمخربين، فبمجرد تنحى حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير، أى بعد 18 يومًا من خروج الجماهير فى كل ميادين مصر، بدأ بعض هواة اللعب فى السيرك السياسى سرقة حلم الملايين، وبدأ كل طرف يزعم أنه مفجّر الثورة، بل وجدنا البعض يزعم أنه لولا وجوده فى الميدان يوم كذا الساعة كذا لانتهت الثورة، وسمعنا عن بطولات وهمية لأمثال المدعو صفوت حجازى الذى عيّن نفسه أمين مجلس أمناء الثورة.
الأمر لم يتوقف عند صفوت حجازى، بل وجدنا شخصا آخر يزعم أنه من الثوار، ويدعى زياد العليمى، يتجاوز حدوده ويسب المشير محمد طنطاوى، وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكرى، مثال ثالث على كبر من شارك فى هوجة يناير، هو علاء الأسوانى، هذا الدكتور استخدم كل أنواع الكبر وقلة الذوق مع الفريق أحمد شفيق عندما أخطأ شفيق ووافق على الجلوس معه فى برنامج تليفزيونى على إحدى الفضائيات، وللأسف كان لدينا مذيعون ومذيعات، وبرامج توك شو، وبرامج حوارية تقوم بترويج هذه الأكاذيب والألقاب، حتى كلمة الشهيد تم ابتذالها، فكل من قتل خلال محاولته حرق قسم أو هيئة أو مقر حزب أو متحف يطلق عليه لقب شهيد، وتُصنع له قصص وحكايات مفبركة، حتى وصل الأمر إلى أن يخرج علينا هؤلاء المراهقون بقصة وهمية عن إحدى الفتيات بأنها قُتلت فى ميدان التحرير على يد الشرطة، وقام الكاذبون من مراهقى يناير بتأليف سيناريو مقتل تلك الفتاة.. سيناريو أسطورى ينافس سيناريوهات أفلام العظماء، ثم نكتشف بعد ذلك أن تلك الفتاة ماتت فى منزلها بإحدى قرى الصعيد، وأن هذه الفتاة لم تشارك فى مظاهرات التحرير، وهو ما أكدته أسرتها فى مفاجأة كبرى، ولولا أن صوت مراهقى يناير فى هذه الفترة كان هو الأعلى لتحولت هذه الكذبة إلى سقطة كبرى، والغريب أن صورة هذه الفتاة تصدرت من يطلقون عليهم «شهداء الثورة».
لقد أصبح من يحرق مجلس الشعب، أو المجمع العلمى، أو يقتحم مقر المجلس الأعلى للصحافة، أو يحرق مقرات الحزب الوطنى المنحل، أو أقسام الشرطة، أو أى مكان حكومى فى نظر مراهقى يناير بطلًا، وتتم استضافته فى برامج التوك شو، وطبعًا لو مات هذا المعتدى خلال حرقه للمجمع العلمى مثلًا يحصل على لقب شهيد، وتُصرف له الآلاف من الجنيهات، ولقد وصل الأمر إلى أن هناك من توفوا فى حوادث طرق عادية، وعندما كانت أسر هؤلاء المتوفين تذهب إلى المستشفى يتم قيد المتوفى على أنه أصيب فى أحداث يناير للحصول على تعويض، ولكن لأن صوت مراهقى يناير ومعهم الإخوان كان عاليًا فى هذه الفترة لم يكن أحد يجرؤ على الكلام، وكشف الوجه الآخر لمراهقى يناير والإخوان. ويكفى أن يعترف القيادى الإخوانى أسامة ياسين على الهواء، وفى حوار شهير مع المذيع الإخوانى أحمد منصور، بأنه قتل مواطنين فى ميدان التحرير تحت زعم أنه شك فى أنهم من جهاز أمن الدولة، ورغم ذلك لم يتحرك أحد وقتها لتقديم بلاغ ضد هذا الإخوانى الذى روى الكارثة، وهو يضحك ويمزح لأنه اكتشف أن الذى قتله هو إخوانى.. أليست هذه كارثة من كوارث مراهقى يناير؟!