يقولون: "فى الحياة لن تستطيع أن تختار طريقة موتك أو موعده. كل ما هو بين يدك أن تقرر كيف تعيش.". وهٰكذا على الإنسان أن يفكر ويرتب تلك الحياة. وكما يقول الشاعر الكاتب "جُبران خليل جُبران": "أنت إنسان وُجدتَ كى تعيش الحياة...". وفى الحياة، يسعى الجميع لأن يُدرك أسرار السعادة، وأحد أسرار السعادة هو محبة الإنسان للآخرين. فالسعادة الحقيقية التى لا يمكن أن تنهار تتولد من عدم انحصار الإنسان فى ذاته وانغلاقه عليها، بل من تلك المشاعر الممتلئة بالمحبة للجميع؛ وليست للبشر فقط بل أيضـًا من نحو الله، فكل عمل يقدَّم إلى الله دون محبة لا يساوى شيئا، وكذٰلك فى الفضائل؛ كما ذكر مثلث الرحمات "البابا شنوده الثالث": "كل فضيلة خالية من المحبة لا تُعد فضيلة".
أيضـًا المحبة التى يقدِّمها الإنسان هى أفضل الوسائل وأيسرها فى كسر سَجن الإنسان حول آلامه ومشكلاته، لينطلق بقوة نحو نبض الحياة والعطاء للجميع. وبالمحبة يُبنى العالم ويُعمَر بالخير، فالمحبة الحقيقية ليست مرادِفـة للامتلاك أو التحكم فى حياة الآخرين، وإنما هى اليد التى تساعد فى بناء حياتهم وشخصياتهم وسعادتهم؛ إنها الحرية التى تُطلِق النفس الإنسانية من الجزع والخوف والشك والقلق نحو حياة تمتلئ بالبناء والخير. إنها هدم للجُدران التى يبنيها الشر والحقد والحسد، وبناء للجُسور التى تعمِّق السعادة فى حياة من نلقاهم؛ إنها الأبدية، فكما يقول عنها الحكيم: "إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة، تُحتقر احتقارًا."، والتى قيل عنها: "أما الآن فيَثبُت: الإيمان والرجاء والمحبة، هٰذه الثلاثة ولٰكنّ أعظمهن المحبة.".
والمحبة ليست مشاعر قابلة للزيادة والنقصان أو الفقدان، وإنما هى فكر يؤْثِر الآخر ويؤمن بإنسانيته وحقه فى السعادة والحياة؛ أما من يفقد محبته لله أو البشر، فهٰذا لا يعنى إلا أنه لم يحبهم على الإطلاق. ومن يتحدث بالسوء والشر عن إنسان كانت تربِطه به محبة، فهو لم يكُن صادقـًا أبدًا. فالمحبة تحمل فى أعماقها القيم والمبادئ العظيمة.
وربما يقدِّم الإنسان محبته إلى أسرته وعائلته وأصدقائه وجيرانه ومن يلقاه فى رحلة الحياة، فلا يجد لها مردودًا، أو ربما يجد شرًا! وهنا أقول لك، عزيزى الإنسان، المسافر فى رحلة الحياة: لا تقلق ولا تندم على المحبة التى تقدِّمها إلى كل إنسان، فإن الله يرى كل عمل، ويقيّمه بحسب ما يحمل من محبة، لأن "الله محبة"، وهو يعرف أعماق كل إنسان ودوافعه وصدقه، وسيجازى الجميع بحسب طرقهم وأفعالهم. لذٰلك، لا تتوقف يومـًا عن عطائك من المحبة للجميع، ولا تقاوم الشر بالشر، لأن فى مقاومتك تزداد مساحة الشر ويهرب الخير والصلاح؛ عزيزى: النار لا تُطفأ بالنار، بل بالماء.
وللمحبة عوائق منها... وللحديث بقية..
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة