اهتمت الصحف ووسائل الإعلام خلال الأيام الماضية بزيارة الرئيس الصينى لمصر شى جين بينج، على رأس وفد كبير من رجال الصناعة والتجارة والإعلام والعلاقات الخارجية، وهم محقون بالطبع فى هذا الاهتمام والحفاوة بزيارة زعيم الصين الدولة العملاقة اقتصاديا والأكثر نموا خلال السنوات العشر الماضية، وهى من قهرت أسطورة القطب الأوحد السياسية التى روجت لها واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، ثم إنها أول زيارة لرئيس صينى منذ اثنى عشر عاما
ومن أسباب الاهتمام المنطقى لوسائل الإعلام بزيارة الرئيس الصينى أيضا، أنها ليست زيارة عادية بروتوكولية، ولكنها بداية انفتاح صينى جديد على المحاور الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط من ناحية، ومن ناحية ثانية لأنها زيارة خير وتعاون اقتصادى كبير بين القاهرة وبكين، فالزيارة جزء من جولة للرئيس الصينى بدأت بالسعودية لتنسيق المواقف السياسية وتعظيم التعاون التجارى، والقاهرة محطتها الوسطى فهى الدولة العربية التى استطاعت قهر الإرهاب وبوابة أفريقيا، كما أنها إحدى الدول القادمة بقوة على مستوى إنتاج الغاز المسال فى العالم، وطهران محطتها الأخيرة بما تشهده من دفعة سياسية واقتصادية كبيرة بعد انتصارها فى معركة القدرات النووية ونجاحها فى استعادة ودائعها المجمدة بمليارات الدولارات.
زيارة الخير للرئيس الصينى إلى مصر تشهد توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والتعاون فى المجالات الصناعية والتجارية والمنح بقيمة 33 مليار دولار، تتنوع بين تمويل مشروعات فى قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة والنقل والزراعة وبناء العاصمة الإدارية الجديدة والتصنيع والأسمدة والمشروعات اللوجيستية فى محور قناة السويس، ورفع الاستثمارات الصينية المباشرة من حوالى 450 مليون دولار حاليا إلى ستة مليارات دولار.
كل هذه أسباب تجعل من زيارة الرئيس الصينى لمصر تاريخية ومفصلية عبر سنوات التعاون الممتدة لنحو ستين عاما، ومع ذلك فلنا وقفة مع هذه الزيارة وما بعدها، وأخشى أننا نفكر فقط فى توقيع حزمة التفاهمات والمذكرات الخاصة بالمشروعات العاجلة التى نريدها من الجانب الصينى وزيادة استثماراته المباشرة إلى نحو ستة مليارات دولار، وهو بالفعل رقم زهيد للغاية إذا علمنا أن بكين رصدت تريليون دولار للاستثمار الخارجى، الحد الأدنى منها للمنطقة العربية نحو ثلاثمائة مليار دولار، والحد الأدنى منها لأفريقيا يزيد على مائة وخمسين مليار دولار، فماذا عندنا من المشروعات الجاذبة نعرضه على الصين حتى نجتذب من بين مئات المليارات ما يساعدنا فى نهضتنا المرجوة ونحن بالفعل نعانى من قلة الاستثمارات؟
هذا أول سؤال، أما السؤال الثانى والأهم: أين نحن من التجربة الصينية؟ وكيف ننقل عناصر النجاح فى الصناعات الصغيرة وإنشاء مناطق التسويق العالمية، بما يحقق الاستفادة من الأيدى العاملة المتوافرة ويحقق عملية تأهيل وتدريب العمالة الكثيفة حتى نكون مصدر جذب لوحدات التصنيع العالمية.
نحن حتى الآن نتوجه للصين عشوائيًّا على طريقة تجار الشنطة أو مهربى البضائع من المناطق الحرة، التجار يذهبون إلى جوانزو ومختلف مناطق التسوق الصينية ويتعاقدون على شراء أرخص وأردأ المصنوعات من الإبرة إلى الملابس الجاهزة وفوانيس رمضان وسجاجيد الصلاة، فقضينا بهذه العشوائية فى الاستيراد على صناعاتنا المحلية الصغيرة وتحول الصناع المهرة إلى سائقى توك توك!
نحتاج أن نفكر جديا فيما نريده من العملاق الصينى المنفتح استثماريا على المنطقة العربية وأفريقيا، وأن نقدم له من فرص الاستثمار ما يعظم حصتنا من استثماراته، والأهم أن نفكر فى نقل التجربة الصينية ونقيم المجتمعات الصناعية والتسويقية بالخبرات الصينية أولا، ثم بالاعتماد على أنفسنا ثانيًا للعودة من جديد إلى الأسواق العربية والأفريقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة