أعتقد أن الرسالة الأخطر للرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية عيد الشرطة لم تكن كلمته للشعب التونسى، بقدر ما كانت حديثه عن مهددات الأمن فى المنطقة العربية، والتى أوجزها بعبارة «أمن الشعوب واستقرارها ليس لعبة فى يد أحد».
ظنى أن هذه العبارة رغم أنها وردت فى خطاب يتعلق بمناسبة داخلية للبلاد، فإنها موجهة للخارج: لدول، ولاستخبارات، ولمنظمات، تحاول أن تعبث بأمن البلاد واستقرارها، والعبث هنا ليس تجنيد عميل للتجسس على البلاد، أو جمع معلومات عن أمور عسكرية، ولكن ما هو أكبر من ذلك، وهو العبث بمفهوم الأمن القومى بمعناه الشامل، متجسدا فى حملات دعاية سلبية ضد المشروعات القومية للبلاد، فى زعزعة الاستقرار الوطنى، فى التسخين نحو فتنة طائفية، فى دفع أقليات بالبلاد، وفى تهديد حدود البلاد المشتركة مع الدول المجاورة عبر تهريب أسلحة.
أعتقد أيضا أن تشديد الرئيس السيسى على ذكر عبارة «أمن الشعوب» فى عيد الشرطة المتزامن مع ذكرى يناير، جاء للتأكيد على أن أمن الشعوب لا يتعارض مع الثورات وتحركات الإصلاح، وأنه لا يجب أن تكون نتائج أى ثورة هى تهديد أمن الدولة، ولا حتى من نتائج أى حراك إصلاحى هو تهديد استقرار الشعب نفسه، خاصة أنه وللأسف الشديد كل الثورات وحركات الإصلاح تبدأ نقية طاهرة تعبر عن مطالب مشروعة، ثم تتحور بسبب سيطرة فصيل عليها لمصالحه الخاصة لا لمصالح الوطن.
بخلاف الملف الأمنى، أظن أن علاقة الرئيس بالبرلمان بدأت تتشكل فعليا من وقت حديثه عن قانون الخدمة المدنية، الرئيس بدا معترضا لرفض النواب للقانون، وفى نفس الوقت بدا متقبلا الأمر بمقولة: «حاضر»، ولكنه فسر الاعتراض بأن الجميع يطالبه بإصلاح إدارى فى الدولة وعندما يتخذ قرارات للإصلاح يقف البرلمان ضده. موقف البرلمان من السيسى ليس غريبا، يحدث فى الخارج، الرئيس باراك أوباما قدم قانون التأمين الصحى وكان من بين أجندة تشريعاته الرئيسية، ولكن رفضه الكونجرس، ودارت مناقشات طويلة وقتها، وغضب باراك أوباما وقتها مثلما غضب السيسى حاليا.
تحليل المشهد، هو أمر إيجابى وسلبى فى الوقت ذاته، إيجابى، لأن نواب الشعب اتخذوا قرارا ينحاز للفئة الكبرى التى طالبت بتعديل القانون، وسلبى لأن قرار الرفض يتعارض مع منهج الدولة فى الإصلاح الإدارى المبنى على عدم تحميل مؤسسات الدولة بعدد من الموظفين فوق طاقتها الطبيعية، لأن موظفا واحدا إضافيا هو عبء على الدولة، تخيل إذا كان هذا الرقم يصل إلى 6 ملايين موظف وفق التقديرات الأولية.
على أى حال، لا يجب وأنا أتحدث عن تحليل كلمة الرئيس السيسى فى عيد الشرطة أن أتجاهل المشاعر الإنسانية التى بدت طيلة الاحتفال، خاصة وقت تكريم أسر ضباط الشهداء، حيث صعدت زوجات عدد من الشهداء يحملن أطفالهن، وهو ما أبكى الرئيس والحضور، خاصة أن الرئيس حمل الأطفال وأصر على التقاط صور هاتفية معهن للتأكيد على أن مستقبل البلاد متجسد فى الأطفال، وهو لن يتركهم للفوضى أو يجعلهم فى مواجهة أى تهديدات تضر بمستقبلهم.
تتفق أو تختلف مع الرئيس، لديك عليه ملاحظات أو تثنى على أدائه، متضامنا مع شباب يناير أو تعتبرهم متآمرين، تطالب بالإفراج عن الشباب خلف السجون، أو تطالب بأن يبقوا فى السجون لسنوات طويلة، بلدنا تمر بأوقات عصيبة، لا يجب بالطبع أن نجعلها شماعة لأخطاء فى الداخل، ولكن لا يجب أبدا أن نتجاهلها، خاصة أن المتغييرات فى المنطقة العربية من حولنا تنبئ بأن الخطر قريب، ليس ببعيد.. هنيئا للشرطة فى عيدهم، وهنيئا لمصر ثورة يناير، وألف رحمة ونور على الشهداء.. جيش وشرطة ومدنيين.
# أنا شاركت فى ثورة يناير
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة