لم يتمالك الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه أمس، وهو يستمع إلى كلمة «أبوالشهداء»، المواطن على محمد عبده، والد الشهيد عبدالرحمن الذى استشهد 3 من أبنائه، اثنان من الجيش والثالث من الشرطة. غلبت الرئيس دموعه، وحاول إخفاءها لكنه بشر، إنسان له قلب مثل باقى البشر يفرح ويحزن، يبكى ويضحك، ما بالك لو كان الموقف استثنائيا شديد الإنسانية لأم هى زوجة ضابط شهيد، تحمل رضيعها الذى لم يتجاوز 6 أشهر، وهو ابن الضابط الشهيد الذى لن يرى أبيه إلا فى الصور المكللة بالسواد.
بكى الرئيس لمشهد الأطفال الصغار، الذين لمعت فى عيونهم علامات التحدى والإرادة والأمل فى المستقبل رغم الأحزان، فى الأحاديث السريعة مع الرئيس، أعرب الأطفال أبناء الشهداء عن آمالهم وأمنياتهم فى استكمال مسيرة الآباء لحماية مصر، والتضحية بأرواحهم من أجل الأوطان، واستدعاء لذكرى عزيزة على الشعب المصرى فى 25 يناير 1952 عندما وقف جنود وضباط مصر يواجهون بأسلحتهم البسيطة وصدورهم العارية قوات الاحتلال الإنجليزى المدججة بالسلاح، دفاعا عن قسم شرطة الإسماعيلية، وسقط 50 شهيدا و80 مصابا، وبقيت الذكرى، هى عيد للكرامة الوطنية والفداء.
دموع السيسى كانت رسالة مفرطة فى الإنسانية، وشاركته دموع كل من شاهده من أم أو أب تخيل نفسه فى الموقف ذاته، فجاء الموقف مؤثرا ومحركا للعواطف والمشاعر الإنسانية الحقيقية، تكريما لأبناء مصر، الذين سالت دماؤهم على أرضها الطاهرة، دفاعا عن أمنها واستقلالها من طيور الظلام أعداء الحياة.
وحتى لا يخرج علينا المزايدون ومرضى القلوب، للسخرية من دموع الرئيس السيسى، بقفشات سخيفة مملة تسخر من موقف إنسانى، ومن رئيس هو فى النهاية أب، ويعرف تماما ماذا يعنى فقدان الأبناء، ففى المواقف الإنسانية المؤثرة تتجلى مشاعر الرؤساء وتنهمر دموعهم، فبكاء الرؤوساء ليس بدعة ولا استجداء لمشاعر أحد، فالرئيس الأمريكى باراك أوباما انهمرت دموعه فى آخر خطاباته، حزنا على من يقتلون فى حوادث إطلاق النار.
فأوباما بكى مرة سابقة أيضا، خلال حديثه عن الأطفال الذين قتلهم مختل عقليا فى مدرسة ساندى هوك فى ديسمبر 2012 وقال: «فى كل مرة أفكر فى هؤلاء الأطفال أشعر بالغضب».
وبكى الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش، خلال تكريمه لذكرى جندى أمريكى قتل فى العراق، رغم أن بوش هو من شن حربا علنية دولية لإرسال الجنود الأمريكيين إلى العراق، بحثا عن أسلحة كيماوية، لم يعثر عليها أبدا، أما الرئيس الفولاذى، الذى نادرا ما تبدو على وجهه مشاعر فرحة أو حزن، الروسى فلاديمير بوتن، فقد خانته دموعه فى أكثر من مناسبة، فخلال إعلانه الفوز فى انتخابات الرئاسة عام 2012، بكى أمام الآلاف من مناصريه، ونزلت دموعه خلال استماعه لأغنية حزينة خلال حفل موسيقى حضره تكريما لذكرى رجال الشرطة، الذين قتلوا خلال تأديتهم عملهم.
والذاكرة تحتفظ بمشاهد عديدة لدموع الرؤساء الذين لم يتمكنوا من كبح جماح مشاعرهم، أمام شعوبهم فى لحظات إنسانية خاصة، فالرئيس السابق عدلى منصور، لم يتمكن من كبح دموعه وهو يتحدث عن الفترة التى تولى فيها رئاسة البلاد، مؤكدا أنه راض عن أدائه فى تلك الفترة.
والرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بكى خلال كلمته أمام مجلس الشعب بعد مقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى أكتوبر 1981، قائلا كلمته الشهيرة: «هكذا جاء قدرى»، فى إشارة منه إلى توليه مقاليد الحكم، ومن الخطابات السياسية التى علقت فى أذهان العرب، هى الخطبة أو الكلمة التى ألقاها رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، للمطالبة بالوقوف إلى جانب الشعب اللبنانى والتصدى للعدوان الإسرائيلى، الذى تعرض له عام 2006، إذ ألقى كلمته وهو يغالب دموعه.
بكاء الرئيس هو حالة إنسانية خاصة جدا، سواء كانت فى الغرف المغلقة أو أمام عدسات الكاميرات.